م.ع فلسطينية من غزة – تل الهوى تبلغ من العمر 27 عام وهي أم لطفلين، بعد أسبوع على حرب الإبادة التي شنها جيش الاحتلال الإسائيلي على قطاع غزة في 7 أكتوبر 2023 نزحت هي وعائلتها من شمال قطاع غزة إلى الجنوب وتحديداً إلى مدينة رفح حيث بيت أحد الأقارب ومكثوا هناك ثمانية أشهر حتى تم إخلاء مدينة رفح من السكان، عَلِمَتْ في نهاية شهر أكتوبر بأنها حامل في الشهر الأول وحينها بدأت معاناة الحمل في ظل وجود الحرب فأعراض الحمل في الأشهر الأولى كانت متعبة، وكانت تُتابع في النقطة الطبية لأطباء بلا حدود كون المستشفيات في حالة طوارئ، استمرت في متابعة حملها حتى الشهر السابع عندما أخلوا مدينة رفح.
عانت من مضاعفات وألم إضافةً إلى المعاناة الناجمة عن ازدحام النازحين في البيت الذي تواجدت فيه هي وعائلتها وصعوبة في توفير المياه،
وذكرت قائلة: "تَمنيتُ في وقتها أن أعيش في خيمة أنا وزوجي وأولادي بدلاً من حياة الزحام التي كنت أعيشها في بيت العائلة الذي كان يضم 20 عائلة تقريباً".
نزحت مع عائلتها من رفح إلى منطقة المواصي بعد اعتبار الاحتلال الإسرائيلي لمدينة رفح منطقة قتال عسكرية وجلسوا في خيمة، عانوا من ظروف مادية صعبة في ظل غلاء الأسعار، وظروف معيشية حيث الحر والرطوبة في الخيم. نزوح آخر إلى مدينة خانيونس بعد تهديد منطقة المواصي وتقدم آليات الاحتلال إليها، وكانت حينها في الشهر الثامن من الحمل، وبتاريخ 7/7/2024 بدأت تعاني من أعراض ومضاعفات كبيرة من هبوط في ضغط الدم وحالات إغماء وغثيان متواصل وصعوبة في الحركة واستمرت هذه المضاعفات حتى بداية الشهر التاسع، توجهت إلى المستشفى بعد ازدياد حدة الألم وأخبرها الطبيب بأن الألم نتيجة تناولها أكل ملوث أو شرب مياه ملوثة.
بتاريخ 10/7/2024 تضاعف الألم لدرجة أنها لم تعد تفرق هل هو ألم الولادة أم بفعل ما أخبرها الطبيب عنه مسبقاً، وفي منتصف الليل الساعة الثانية عشر تصرخ من شدة الألم ولم يكن هناك إسعاف قريب من منطقة تواجدهم، اضطرت هي وزوجها إلى المشي حتى شاهدوا سائق قام بإيصالهم إلى مستشفى ناصر في تمام الساعة 12:50، وكانت على باب قسم الولادة الساعة 12:59 لوحدها دون أي مرافق في ظل إتمام زوجها لإجراءات الدخول للولادة، وشعرت فجأة بألم شديد يشير إلى أنها ستلد الجنين الآن دون تواجد أي طبيب كون المستشفى في حالة طوارئ، شاهدتها أحد المرافقات لمريضة أخرى بأنها تلد وما زالت تقف على قدميها، فَنَدهت بعلو صوتها على طبيبة في ظل ازدحام المستشفى.
كان السرير ملطخ بالدماء وعندما أنجبت طفلها لم يصدر أي صوت أو يبكي فأخبرتها الطبيبة بأنه يجب وضعه في الحاضنة حتى يكون تحت المراقبة، وذكرت قائلة: "لم أكن واعية لما يحدث وكأني في حلم فالأحداث متسارعة جداً"، عانت كذلك بفعل نقص الرعاية الطبية ونقص المعدات فلم يكن هناك تعقيم لأي من الأدوات الطبية. غادرت المستشفى بعد بضع ساعات من الولادة حيث كان مليء بالشهداء والجرحى والنازحين، عادت مسرعة إلى أطفالها في الخيمة دون المولود الجديد الذي مكث في الحاضنة 18 يوم وكانت تذهب لرؤيته كل يومين.
بتاريخ 27/7 نزحت مرة أخرى من منطقة رشوان النجار بعد إلقاء الاحتلال مناشير من الطائرات يطلبون فيها من سكان المنطقة النزوح لبدء عملية عسكرية فيها، قاموا بفك خيمتهم وقبل رحيلهم أخبرت زوجها بأنها ترغب في الذهاب إلى المستشفى لرؤية ابنها في الحاضنة. فجأة يَتلقون اتصال من المستشفى بوفاة طفلهم الذي لم يستطع التمسك بالحياة، وحينها بدأت القذائف تتساقط في كل مكان فتركوا أغراضهم وذهبوا مسرعين إلى المستشفى حتى يُوَدّعوا طفلهم ويدفنوه.
اتصل بهم أحد الجيران في اليوم التالي وأخبرهم بأن أغراضهم التي تركوها موجودة ومحفوظة، فذهب زوجها وأحضر الأشياء الأساسية المهمة، جلسوا على الرصيف في الشارع مدة عشرة أيام في خيمة مؤقتة من القماش، هي وعائلتها يسكنون حالياً في منطقة الظهرة بخانيونس حيث صعوبة الخدمات ومقومات الحياة. كلما تشعر بحالة نفسية صعبة تذهب لزيارة قبر طفلها الذي تمنت وجوده في حضنها لتكتمل فرحتها كحال فرحة كل أم بقدوم طفلها الجديد.