أمهات تحت الألم

09 يناير 2025

منى فلسطينية من شمال قطاع غزة - بيت لاهيا تبلغ من العمر 22 عام وهي أم لطفلين وحامل في طفلها الثالث، بتاريخ 17/10/2023 نزحت هي وأسرتها إلى مدرسة الفاخورة بسبب اشتداد القصف في منطقة سكنهم وقد كانت حامل في شهرها الثاني وأقاموا في خيمة في ساحة المدرسة، ذات يوم ودون سابق إنذار قامت طائرات الاحتلال بقصف المدرسة التي تتواجد فيها دون أن يطلبوا من النازحين إخلاء المكان أو حتى إعطائهم المجال للقيام بذلك.

كانت تعاني هي وأسرتها من حمل المياه وإشعال النار، وذات يوم خرجت من الخيمة لتسخين المياه وفي طريقها للعودة امتلأت المدرسة والسماء بالغبار والدخان ثم وجدت نفسها خارج المدرسة وهي في حالة ذهول لا تعرف بعد ما الذي حصل، ثم عادت إلى الخيمة بعد أن هدأ الدخان تبحث عن أفراد عائلتها وجثث الموتى والدماء في كل مكان، الجميع يبحث عن أفراد عائلته في ظل حالة الفوضى والدمار التي خلّفها الاحتلال الإسرائيلي في المدرسة، كانت والدتها قد نزحتْ معهم إلى المدرسة، تصرخ وتسأل بحثاً عن والدتها وطفلتها سرعان ما شاهدت والدتها مصابة ومغطاة بقماش فاقدة للوعي حينها أيقنت وفاة والدتها ومن صعوبة الموقف نسيت السؤال عن طفلتها.

نقل الإسعاف والدتها إلى المستشفى، وأخبرتها احدى السيدات بأنها وجدت ابنتها ملقاة على الأرض وقررت هذه السيدة أن تقوم بتربية الطفلة في حال لم يظهر أحد من أفراد عائلتها، فذهبت وأحضرت ابنتها وضمتها والبكاء لا يفارقها، ذهبت مع والدتها إلى المستشفى بعد أن بقيت فترة في المدرسة دون تمكنها من الحصول على المساعدة بسبب حالة الفوضى وكثرة الإصابات والدماء، لكنْ طلبَ المستشفى منها المغادرة كونه لا يتسع لعدد كبير من المرافقين وأن والدتها ما زالت على قيد الحياة وسيتم الاعتناء بها.

بعد أسبوع من إصابة والدتها وبناءً على نصيحة والدتها قررت أن تترك الشمال وتتوجه إلى الجنوب لكن زوجها قرر البقاء في الشمال وطلب منها أن تنزح هي وأطفالهم مع عائلته، توجهت عبر شارع صلاح الدين حتى وصلت إلى حاجز نتساريم وكان الجنود والآليات في كل مكان، كان خوفها على أطفالها وجنينها يسيطر عليها وكان برفقتها والدة زوجها ووالده من ذوي الاحتياجات الخاصة وكان عليها أن تتسلق تلة عالية معهم لكن الأمر كان صعب مما أدى إلى وقوعهم أرضاً وحينها بدأ جنود الاحتلال يطلقون الرصاص باتجاههم ثم أطلقوا عليهم قذيفة فرقتهم عن بعضهم وأوقعت بوالد زوجها من على الكرسي المتحرك أرضاً، فكّرت في العودة إلى شمال غزة مرة أخرى لكن الأمر صعب جداً في ظل تكدس الجنود والآليات.

بعد ساعات طويلة من المعاناة  نزحوا إلى مدينة رفح ومكثوا على رصيف شارع حيث لم يكونوا على معرفة بأي أحد هناك ثم مكثوا في مدرسة للنازحين عاشوا فيها أيام صعبة جداً في ظل غلاء الأسعار وصعوبة توفير المياه، وبعد أسبوعين وصلها خبر استشهاد والدتها  الذي كان الأصعب عليها، وفي ظل هذه المعاناة ساءت حالتها الصحية والنفسية، ثم نزح زوجها إلى الجنوب لدعمها.

طلب الاحتلال من جميع سكان مدينة رفح إخلائها كونها ستصبح منطقة عسكرية وسيتم شن هجوم بري فيها، نزحت هي وأسرتها مشياً على الأقدام في ظل تكلفة المواصلات المرتفعة تحمل ابنة وزوجها يحمل الابنة الثانية حتى شاهدهم أحد وقام بإيصالهم إلى دير البلح، ونصبوا خيمة على رصيف الشارع بجانب مستشفى شهداء الأقصى.

مع حلول وقت المغرب في أحد الأيام، شعرت بألم في بطنها وبدأ يشتد أكثر فأكثر، فذهبت إلى مستشفى شهداء الأقصى ليوفروا لها سيارة إسعاف تنقلها إلى مستشفى العودة في النصيرات حيث يوجد قسم الولادة، بعد وصولها أخبروها بأن وقت ولادتها لم يحن بعد لكنها رفضت العودة إلى الخيمة فهي متأكدة من ولادتها قريباً، بقيت في الشارع أمام المستشفى تصرخ من شدة الألم ثم شعرت بنزول سائل على قدميها وهو ما يشير إلى أن وقت ولادتها قد حان، واجهت صعوبات عديدة في ولادتها تمثل أحدها في أنها لا تمتلك ملابس لطفلها حتى رأتها سيدة في المستشفى ومنحتها ملابس لطفلها.

عادت إلى الخيمة بعد أن بقيت ثلاث ساعات تحت المراقبة في جو بارد عانت نتيجته هي وطفلها الذي أصيب بالمرض نتيجة تبلل الخيمة بمياه المطر وعدم توفر المقومات الأساسية فالحليب سعره مرتفع جداً وكذلك الخضروات والفواكه فهي بحاجة إلى الحصول على تغذية جيدة لها ولرضيعها،

وذكرت قائلة: "أحياناً أجلس لوحدي وأظل أبكي بحرقة على ما حل بي وعلى أطفالي عندما أشاهدهم في أسوء حالاتهم ولا أستطيع أن أوفر لهم القليل".

    

اقرأ ايضا في اصوات نسائية: المرأة الغزية