رجاء فلسطينية من غزة تبلغ من العمر 36 عام وهي أم ل 4 أطفال، يوم الخميس بتاريخ 6/6/2024 قبل المغرب كانت تخبز لأول مرة على الصاج بمساعدة جارتها والصغار يلعبون حولهم، سمعوا فجأة صوت طائرة والتي سرعان ما بدأت تقصف البيوت في العزبة في رفح قرب الحدود المصرية بشكل عنيف، الرعب والخوف عمَّ المكان وأطفأت النار بكومة من الرمل وتركت العجين ودخلت وجارتها وأولادهم الخيمة واستمر زوجها في طمأنتهم.
بعد بضعة من الوقت توقف قصف الطائرة وبدأ القصف البحري بشكل عنيف جداً، وطلب زوجها من صاحبه أن تجتمع زوجاتهم وأطفالهم في الخيمة "التي وضعوا بالقرب منها عمود ارتفاعه ثلاثة أمتار تقريباً يحمل راية بيضاء للتأكيد على أنهم مدنيين" حتى يراقبوا الوضع من الخارج، وعاد الزوج وصاحبه بعد ساعة إلى الخيمة. خلدوا إلى النوم في تلك الليلة بدون عشاء وكان قصف الآليات والسفن البحرية في كل مكان، ولم يكن هناك أي مجال للحركة.
كان القصف على البيوت ومسجد الرحمة الكائن بالعزبة أثناء مراقبة زوجها من باب الخيمة، لم يَنم الأولاد جيداً وكانت تنطق الشهادتين في كل وقت وزوجها يطمئنها، كانوا يشاهدون ما يحصل في الخارج من شباك الخيمة بدون أي حركة، واضطر الأولاد لقضاء حاجتهم في الخيمة.
شاهدوا الدبابات وضوء أصفر يعود لجرافة يقترب الساعة الرابعة والنصف تقريباً، كان الأولاد مستيقظين واقتربوا من والديهم. الصوت قوي جداً ويقترب أكثر فأكثر ولم تعد تحتمل ووعدت أطفالها بأنه عند طلوع النهار سيتركوا المنطقة. بدأت الآلام تنهال عليها الساعة الخامسة والنصف فجراً عندما بدأت دبابات الاحتلال بإطلاق النيران بشكل عنيف على جارتها وطفلها أثناء عودتهم إلى الخيمة بعد قضاء حاجتهم، كانت جارتها أول من يستشهد هي وأطفالها وأصيبت هي وأسرتها جميعاً.
تتألم بشدة بعد أن اخترقت رصاصة قدمها، وابنتها تتألم دون أن ترفع صوتها وفي هذه الأثناء فقدت صوت ابنها ولم تعد تسمعه فنظرت إليه إذ برأسه مشقوق إلى نصفين. الجميع مصابون والدبابة في طريقها إليهم وهي تنادي على زوجها الذي أصيب وينزف ويضع نفسه فوق الأولاد الثلاثة محاولاً حمايتهم. قاومت الألم وحملت ابنتها من كتفها أثناء إجرائها مكالمة مع أخ زوجها، حاولت الهرب من الباب الغربي للخيمة لكن سرعان ما جاءت الدبابة ودعست زوجها وأولادها ثم تقدمت نحوها فرفعت يدها حتى لا يقتلوها لكن دون جدوى فدعستها الدبابة وابنتها في حضنها وغرست في الرمال.
ابنتها مغطاة بالرمال ولا يظهر سوى وجهها، والخيمة ملقاه على الأرض فوق زوجها وأولادها، ولم تتمكن من مساعدة ابنها الغارق بدمائه أو حتى رفع صوتها لتناديه، كان زوجها يتقلب على الأرض ويده مبتورة وينزف بشدة. يخرج أحد أبنائها فجأة مغطى بالدماء ويرتجف يتقدم نحوها لكنها بعيدة مسافة مترين أو ثلاثة أمتار، حاولت التحرك باتجاهه عندما سمعت صوت الدبابة يقترب مرة أخرى فطلبت من ابنها أن يظهر بأنه ميت وأغمضت عينيها مرة أخرى، جاءت الدبابة مسرعة لكنها استدارت نحو الشارع.
تسمع في تلك الأثناء صوت امرأة تمشي مع أولادها حاملة الراية البيضاء فطلبت منها أن تأخذ ابنها معها محاولةً حمايته كونه من تبقى من أفراد أسرتها وأخبرت المرأة أن توصل ابنها إلى مواصي خانيونس المنطقة الآمنة حيث بيت جده فذهب ابنها يبكي ممتلىء بدماء إخوته ووالده. لم تعد تسمع صوت زوجها وأيقنتْ أنه قد فارق الحياة، جمعت قواها وحملت ابنتها على ظهرها وبدأت تزحف رغم الألم والنزيف وقدم ابنتها تنزف. بعد الزحف ما يقارب 600 متر ألقت بنفسها على الأرض تصرخ بصوت مرتفع لعل من أحد يسمعها لكن دون جدوى.
عندما تتحرك يقوم القناص بإطلاق الرصاص نحوها مما أدى إلى إصابتها في يدها. كان الذباب يدخل في جرحها ويملاً وجه ابنتها ورائحة الدماء في كل مكان ما آلمها بشدة، كان هناك شباب على بعد 30 متر منها وطلبوا منها الاقتراب حتى يتمكنوا من مساعدتها وإسعافها، اقتربوا منها وقاموا بسحبها هي وابنتها ووضوعهم في سيارة إسعاف تمكنوا من إيجادها حتى وصلت إلى مستشفى الصليب الأحمر الميداني برفح وأدخلوها غرفة العمليات.
كانت ابنتها على السرير المجاور لها أما زوجها وأولادها فلم يعرف عنهم أو عن أماكن تواجد جثمانهم أحد، مكثت في المستشفى شهر وأُجريت لها خمس عمليات في قدمها التي كانت معرضة للبتر وذكرت قائلة: " إصابتي عبارة عن طلق متفجر بقدمي اليمين وأربع كسور وتهشم بالعظم مع إصابة بيدي اليمين وبعض الشظايا وردود في ظهري وباقي جسمي مع تمزق بالاوتار، أما ابنتي فإصابتها عبارة عن طلق متفجر بالقدم اليمين مع كسر وخلع بقدمها اليسار بالإضافة لردود وكدمات بظهرها".
تتمنى أن تعود ابنتها تلعب وتتحرك مرة أخرى وأن تجد جثامين زوجها وأولادها لتدفنهم وأن تتمكن من الوقوف عل قدميها مرة أخرى.