رسالة إلى مجلس الأمن الدولي: كفى صمتًا، كفى تواطؤًا
27 أكتوبر 2025
إلى مجلس الأمن الدولي
الذي وُلدت على أوراقه وعود القرار 1325،
وهو اليوم يقف على أنقاض أجندة الأمن والسلم.
خمسة وعشرون سنة مرت منذ أن وعدتم النساء بالأمن، بالمشاركة، بالحماية، بالعدالة. لكننا مازلنا نُقتل ونُهجّر ونُغتصب وتدفن أصواتنا تحت ركام التواطؤ والصمت الدولي.
كل قصف على غزة، كل مقبرة جماعية في دارفور، كل سجن سري في دمشق، كل جثة غارقة على سواحل ليبيا، كل جثة لا تجد من يدفنها في اليمن، كل دمار في العراق ولبنان والمنطقة هي وصمة عار على جبين هذا مجلس الأمن والأمم المتحدة.
أنتم تتحدثون عن "السلام"، لكنكم تصمتون أمام الاحتلال والعقاب الجماعي والإبادة الجماعية، تتحدثون عن "الأمن"، لكنكم تتغاضون عن التسلح المفرط وتجارة الأسلحة وانتشارها وتبررون الحصار. تتحدثون عن "النساء في النزاعات"، لكن النساء لم يرين منكم سوى الاجتماعات المغلقة والقرارات المنسية.
القرار 1325 تحول إلى شعار مفرغ من مضمونه، تستخدمه القوى الكبرى لتجميل خطاباتها وتبييض صورتها لا لمحاسبتها. أنتم شرعتم السلاح ولم تمنحوا العدالة. أنتم حميتم الأنظمة الكولونالية القمعية المستبدة أكثر مما حميتم النساء ومجتمعاتهن. أنتم فشلتم في جوهر مهمتكم "حفظ السلام والأمن الدوليين". أنتم من يفترض أن تحموا السلام تغضون الطرف عن الجريمة حين يرتكبها القوي، وتدينون الضعيف حين يصرخ من الألم. هل هذا مجلس الأمن، أم إنه مجلس إدارة الحروب واللامساءلة.
أنتم تركتم النساء في اليمن يتوسلن وقودا للمستشفيات، وفي غزة يبدن من غير رحمة، وفي الخرطوم يبحثن عن جثث أحبائهن بين الأنقاض. أي سلام هذا الذي يبنى فوق قبور النساء؟ وأي أمن تتحدثون عنه في الوقت الذي تدفن نساء المنطقة تحت رماد العسكرة والاحتلال؟
نرسل لكم هذه المطالب من مجموعة نسوية إقليمية قادمة من العراق، ولبنان وسوريا والسودان وفلسطين واليمن ومصر والمغرب والمنطقة العربية برمتها.
نحن نطالب بما يلي:
- تفعيل الآليات الدولية لمعاقبة الاحتلال الإسرائيلي الكولونيالي الإحلالي على الجرائم التي ارتكبتها من جرائم الإبادة والتطهير العرقي والتجويع والإخفاء القسري والتهجير والنزوح القسري والاستيطان والإبادة البيئية، وانتهاكات سيادة الدول المجاورة لأراضيها، وما تفرضه من واقع عدم استقرار للمنطقة وذلك باستخدام الأسلحة المحرمة دوليا، وتسليح المستوطنين ورعاية بعض الدول للأسلحة دون محاسبة وتوريد الأسلحة لها.
- الاعتراف بأن الاحتلال والعسكرة والدمار المناخي هي التهديدات الحقيقية للسلم والأمن الدوليين: لا يمكن أن يستمر الصمت أمام جرائم الاحتلال في فلسطين أو الحرب في اليمن وغيرها التي تدار بأسلحة ترخصها دولكم. انهاء الاحتلال والأنظمة القمعية السلطوية والهيمنة الاستعمارية والعبث باستقرار المجتمعات هو مسؤولية المجتمع الدولي، وليس مسؤولية قوى ودول محددة.
- وقف فوري لتدفق السلاح إلى جميع أطراف النزاع في اليمن وفلسطين والسودان وسوريا وليبيا: كل رصاصة تطلق هناك تحمل توقيع دولة عضو في هذا المجلس.
- تفعيل آليات المساءلة الدولية: إحالة الجرائم في اليمن وغزة ودارفور وسوريا إلى المحكمة الجنائية الدولية، وضمان تطبيق قراراتها، وتأسيس لجنة تقصّي حقائق دائمة حول الانتهاكات ألقائمة على النوع الاجتماعي في النزاعات المسلحة في المنطقة.
- إنهاء استخدام الفيتو كسلاحٍ سياسي ضد العدالة: حين تستخدم الأداة نفسها لعرقلة وقف إطلاق النار في غزة، فهي تتحول إلى أداةٍ لتبرير الإبادة. نطالب بآلية تلقائية لمراجعة استخدام الفيتو في القضايا الإنسانية. المطلوب هو إصلاح مجلس الأمن كأداة تستحوذ فيها دول محددة القرارات للسماح بالتجاوز وازدواجية المعايير في التعامل مع قضايا الشعوب. آن الأوان لأن يتم فتح منبر واسع ومستمر لمؤسسات المجتمع المدني والفاعلات النسوية لإسماعهن أصوات النساء ونقل سرديتهن في مجلس الأمن.
- احترام حراك الشعوب حول العالم التي تنادي بالتحرر من الاستعمار والأنظمة السلطوية القمعية. وضمان وصول المساعدات الإنسانية لكل الشعوب في مناطق النزاع والحروب بشكل عادل بعيدا عن القرار السياسي.
- ضرورة تفعيل البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة في التعامل مع الانتهاكات الجسيمة وجرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية وعدم التهاون مع الجناة وتفعيل أدوات المحاسبة والمساءلة.
- حماية المدافعات عن حقوق الإنسان والصحفيات في اليمن وفلسطين والسودان وسوريا وليبيا: نريد آلية واضحة للأمم المتحدة تلزم الدول الأعضاء بحمايتهن من الملاحقة والمراقبة.
- إصلاح آليات أجندة المرأة والسلام والأمن: من خلال إدراج العسكرة والاحتلال والتغير المناخي في جميع تقارير أجندة المرأة والأمن والسلام، واعتماد التحليل التقاطعي الإلزامي لجميع الخطط والمهمات المتعلقة بالأمن والسلم. وبإصدار قرار مجلس أمن يكون ملحق لقرار 1325 يكون جوهره الاحتلال وربط كل أعمدة القرار مع الاحتلال وتبعياته لضمان المحاسبة ومنع فوري لاستمرار الإبادة الجماعية بموجب القرار. ويكون هناك لجنة خاصة لمتابعة تنفيذ القرار من خلال مؤشرات مرتبطة بالسياق وتضمن تنفيذ أجندة المرأة والأمن والسلام للخروج من دائرة تقديم التقارير الطوعية.
- تمويل السلام لا الحرب: حولوا ميزانياتكم من دعم الأنظمة والميليشيات إلى دعم السلام النسوي حيث أثبتت النساء قدرتهن على قيادة الوساطة المجتمعية، وصمدن تحت التجويع والإبادة، وبنين التضامن رغم العنف.
أنتم تتحدثون عن "النظام الدولي"، لكن النظام الذي صنعتموه يقوم على اختلال العدالة. أنتم من تكتبون القرارات، ونحن من ندفن أبناءنا. أنتم من تتحدثون عن "الحياد"، ونحن من نحمل آثار القصف على أجسادنا نقولها بوضوح: إن مجلس الأمن فقد شرعيته الأخلاقية ما لم يُحاسَب القتَلة وتُصان كرامة النساء. هذه رسالتنا، لا نطلب حيل سياسية ولا تضامنًا لفظيا. نطالب بحقنا في الحياة، في العدالة، في الأرض، في صنع القرار. حان الوقت أن يسمع العالم صوت النساء في اليمن، وفلسطين، والسودان، وسوريا، وليبيا، ولبنان والعراق: إما أن يتغيّر النظام الدولي، أو أنتم متواطئون في ضياع السلام عن هذه الأرض. لن يعم السلام في العالم ما لم يشمل الجميع.