يُصادف اليوم مرور عام كامل، ثلاثمئة وخمسة وستون يومًا على حرب الإبادة التي تمارسها سلطات الاحتلال الإسرائيلي ضد شعبنا الفلسطيني، وخاصة في قطاع غزة، والتي بدأتها في السابع من أكتوبر في العام 2023، لم تكتفِ دولة الاحتلال بانتهاكاتها وجرائمها المختلفة بحق الشعب الفلسطيني على مدار عقود من الزمن. بل ضاعفت هذه الجرائم ووصلت ذروتها في السابع من أكتوبر من العام الماضي.
لقد شاهد العالم على مدار ثلاثمئة وخمسة وستين يوما الماضية، بل في كل ساعة ودقيقة منها كمًا هائلاً من الانتهاكات والجرائم التي لا تعد ولا تحصـى بحق الأطفال والنساء والمسنين والمرضى والمعاقين وطواقم الصحة والدفاع المدني والإعلام والأكاديميين وحتى موظفي وممثلي المنظمات الأممية. وفي كل دقيقة إضافية يزداد عدد الضحايا، كما تزداد قائمة الجرائم والانتهاكات التي لم يشهد لها التاريخ مثيلا.
حتى كتابة هذا البيان، فقد تجاوز عدد شهداء هذه الحرب الإجرامية (42000) فلسطيني في قطاع غزة وما يقارب (100000) جريح، فضلا عن أكثر من عشـرة آلاف مفقود تحت الأنقاض، وعدة آلاف من المعتقلين، الذين لا يزال عددهم ومصيرهم غامضا حتى الآن. يشكل الأطفال والنساء أكثر من 70% من إجمالي عدد الضحايا. أما في الجوانب الأخرى فقد دمر الاحتلال ما يقارب 80% من البيوت والمساكن في مجمل قطاع غزة، وجرى تشريد ما يزيد عن 90% من أصل (2.2) مليون من سكان القطاع خارج بيوتهم، بعد أن تم تدميرها، وأصبحوا نازحين خارج مدنهم وقراهم ومخيماتهم، بل ويقيم معظمهم تحت العراء أو في أحسن الأحوال في خيام أو بين أنقاض المنازل والممتلكات المدمرة. ويعانون من أبشع أنواع القهر والظلم والتشريد، فقد دمر الاحتلال معظم المؤسسات التعليمية، وقتل الألوف من طلابها وكوادرها العاملة. وكذلك فعل في النظام الصحي، حيث اخرج كل المستشفيات والمراكز الصحية في القطاع عن الخدمة، سواء بتدمير اغلب مرافقها، أو بقتل واعتقال كوادرها، أو بحصارها ومنع الأدوية والغذاء والماء والكهرباء والاتصالات عنها.
التأثير الأكبر والأكثر خطورة لحرب الإبادة طال الأطفال والنساء بشكل خاص، حيث وثقت تقارير العديد من المنظمات الدولية جوانب مختلفة لتأثير وأبعاد هذه الجرائم على النساء خصوصا، فإضافة إلى أن 70% من الضحايا في كل المجالات هم من النساء والأطفال فإن هناك ما يقارب (155000) امرأة حامل ومرضع في القطاع، تضع ما يقارب 200 امرأة منهن مولودها يوميا، وفي ظلال التدمير الشامل للمنظومة الصحية فإن هذا يعني عدم قدرة النساء على الحصول على أي شكل من أشكال الرعاية الصحية خلال فترة الحمل والولادة وما بعد الولادة، واذا أضيف لذلك حرب التجويع فإن هذا يعني مضاعفة المخاطر على حياة النساء وأجنتهن ومواليدهن حديثي الولادة. كما وثقت المنظمات الأممية زيادة ملحوظة في حالات الإجهاض، حيث شهدت ارتفاعًا بنسبة تزيد عن 300٪ بسبب الانهيار الكامل لنظام الرعاية الصحية. يعتبر كل ذلك جريمة إبادة وفقاً للمادة الثانية من اتفاقية الإبادة الجماعية.
ولم يكتفِ الاحتلال بهذه الجرائم، بل أضاف إليها سلسلة لا تنتهي من الجرائم كتدمير الطرق وآبار ومحطات وخطوط تزويد المياه والكهرباء، وكذلك الحال بالنسبة للشوارع وخطوط ومحطات الصـرف الصحي إضافة إلى مقرات وممتلكات المؤسسات العامة كالبلديات والدفاع المدني. وتدمير المصانع والمزارع واحتلال وإغلاق كل المعابر من وإلى قطاع غزة، ما ضاعف من حجم الجرائم، حيث يعيش غالبية سكان القطاع حاليا بحالة شبه المجاعة، فلا بيوت ولا غذاء ولا دواء ولا حتى شربة ماء. وباختصار شديد فقد حولت هذه الجرائم قطاع غزة إلى منطقة غير قابلة للحياة، حسب تصـريحات العديد من ممثلي الهيئات الأممية.
نفس الأمر ينطبق على العاملين في المجال الصحفي والإعلامي بقتل الكوادر والعاملين في مجال الإعلام وتدمير مكاتبهم ومقراتهم ومعداتهم ومنعهم من ممارسة عملهم، بل وصل الأمر حتى الاعتداء على العاملين في المنظمات الأممية قتلا وجرحا وتدميرا واعتقالا كالعاملين في وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين، ومنظمة المطبخ العالمي والهلال الأحمر وغيرها من المنظمات الأممية وحظر عملها ونشاطاتها في قطاع غزة.
أما في الضفة الغربية فإن جرائم واعتداءات المستوطنين وحملات "التطهير العرقي" ضد المواطنين في كل التجمعات السكانية وبخاصة ضد التجمعات البدوية في مناطق الأغوار الشمالية والجنوبية، تتكامل مع ما يقوم به جيش الاحتلال في مدن ومخيمات وبلدات الضفة الغربية وخاصة في الشمالية منها (جنين وطولكرم ونابلس) حيث الاجتياحات والقتل والتدمير، إضافة إلى الحصار الخانق على مدينة القدس ومحاولات فصلها التام عن بقية الأراضي المحتلة وغيرها من السياسات التي تماثل حرب الإبادة في قطاع غزة.
قامت دولة الاحتلال بهذه الجرائم، ولا تزال حتى اللحظة تمارسها عن سبق الإصرار، حيث يتضح من مختلف البيانات والتصـريحات التي تصدر عن قادة دولة الاحتلال، سياسيين وعسكريين وغيرهم أن هناك نية وتصميمًا على القيام بكل هذه الجرائم، حيث صرح قادة جيش الاحتلال أن الفلسطينيين "حيوانات بشـرية وسوف نتعامل معهم على هذا الأساس"، فيما تسابق السياسيون والعسكريون على إطلاق التهديدات والتصـريحات بالقتل والتدمير، حيث أطلق أحد نواب برلمان الاحتلال تصـريحا يطالب فيه بإلقاء قنبلة نووية على قطاع غزة، فيما طالب آخر بقتل مئة ألف منهم، بينما آخرون طالبوا بطرد كل الفلسطينيين خارج القطاع.
على الرغم من أننا كشعب فلسطيني نعتز بكل الشعوب والأمم والجماعات، طلابًا وعمالاً ونقابات وهيئات ومنظمات دولية ودولاً وحكومات الذين وقفوا على الدوام ضد كل هذه الجرائم، ونظموا بصورة متواصلة الكثير من حملات التضامن مع شعبنا والاستنكار والشجب لهذه الجرائم، سواء بالتظاهرات في الشوارع والجامعات أم حملات المقاطعة للشـركات الداعمة للاحتلال أم بالسياسات التي تبنتها العديد من البرلمانات والحكومات في بقاع العالم المختلفة دعما لشعبنا ورفضًا لجرائم الاحتلال.
رغم كل ذلك إلا أننا لا نزال نرى أن هناك العديد من الدول والحكومات التي دعمت ولا تزال دولة الاحتلال وجرائمها سواء بالدعم العسكري والتسليح المباشر، أم الاقتصادي أم السياسي وتوفير الغطاء الدولي لمجمل هذه الجرائم. حيث لعب ذلك دورا في تشجيع دولة الاحتلال في الاستمرار بكل جرائمها وغير عابئة بأي انتقاد أو رفض شعبي ودولي. لقد انطلقت بعض الحكومات في سياستها هذه من منطلقات مختلفة مثل شعار: "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها". وأثبتت هذه السياسة أنها تعبر أولا عن ازدواجية في المعايير في حقوق الإنسان التي تطالب بها في الكثير من بقاع الأرض، بينما تتنكر لها بالنسبة لفلسطين وحقوق الشعب الفلسطيني. إن الحكومات التي تبنت ذلك الشعار تجاهلت تماما أن إسرائيل هي دولة احتلال أولا وقبل أي اعتبار آخر، فكيف لها أن تدعم دولة تحتل شعبًا آخر في احتلالها تحت هذا الشعار؟!
إننا نرى أن الغطاء الذي تمنحه بعض الدول والحكومات، بكل صراحة ووضوح لدولة الاحتلال هو الذي يمكن، بل يشجع دولة الاحتلال على مواصلة جرائمها أولا، وثانيا شل وتعطيل المنظمات الأممية عن اتخاذ قرارات قابلة للنفاذ والتطبيق لإجبار دولة الاحتلال على وقف جرائمها، وثالثا الضـرب بعرض الحائط لأي قرار يصدر عن المنظمات والهيئات الدولية كالجمعية العامة للأمم المتحدة ومحكمة الجنايات الدولية ومحكمة العدل الدولية وغيرها من المنظمات الأممية.
اليوم يقف شعبنا الفلسطيني ليعلنها وبصوت عال: كفى لهذه الجرائم، لقد آن الأوان لتحقيق العدالة لشعبنا الفلسطيني أولا بوقف العدوان وحرب الإبادة وثانيا بتحقيق حقوقه العادلة والمشـروعة بالتحرر من الاحتلال وحقه في تقرير مصيره وبناء دولته المستقلة، وثالثا بتقديم مجرمي الحرب إلى العدالة الدولية لينالوا الجزاء عن جرائمهم التي تشكل وصمة عار في جبين الإنسانية.
لتتوقف حرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني
من حق شعبنا الحصول على حقوقه العادلة والمشروعة في التحرر والاستقلال وتقرير مصيره
ليقدم مجرمو الحرب إلى العدالة الدولية