يهل علينا الأول من أيار، عيد العمال العالمي، هذا العام في ظل ظروف استثنائية وغير مسبوقة ربما في تاريخ شعبنا الفلسطيني الحديث. فمنذ السابع من أكتوبر عام 2023 وحتى الان تتواصل حرب الإبادة التي ينفذها جيش الاحتلال الإسرائيلي ضد شعبنا الفلسطيني وخاصة في قطاع غزة. وأمام استمرار هذه الحرب والجرائم فإنه من الصعب حصر وتحديد الجرائم التي ارتكبت خلالها، فآلة الدمار والقتل لا تزال تمارس جرائمها على مدار الساعة.
في الإحصاءات العامة فقد أدت حرب الإبادة إلى سقوط ما يزيد عن مائة وعشرون ألف مواطن فلسطيني بين شهيد وجريح ومفقود، تشكل النساء والأطفال أكثر من 70% منها. فضلاً عن الدمار والتخريب لكل مقومات الحياة البشرية في قطاع غزة، المياه والكهرباء والصرف الصحي والاتصالات والطرق والمنشآت الصحية والجامعات والمدارس ودور العبادة والمؤسسات العامة على اختلافها والبيوت وممتلكات المواطنين العامة والخاصة، ما أدى تهجير المواطنين ودفع ما يزيد عن ثلثي مواطني القطاع إلى اللجوء والنزوح إلى مدينة رفح في ظل ظروف صعبة وبالغة الخطر والتعقيد في كل المجالات.
في مثل هذه المناسبة فقد جرت العادة على تسليط الضوء على واقع وظروف العمال والعاملات في فلسطين، وإبراز بعض الحقائق حول واقع سوق العمل والبطالة والأجور والحقوق المختلفة للعاملين والعاملات، غير أنه في هذا العام يصعب علينا حصر وعرض هذا الواقع، حيث يصعب الحديث عن فرص العمل في ظل تدمير كل منشآت ومواقع العمل والاقتصاد من أساسها، ولا يمكن الحديث عن البطالة في انهيار سوق العمل، أو الحقوق المختلفة للعمال والعاملات حين تكون حياتهم ووجودهم برمته مهدداً، هذا في قطاع غزة.
وفي الفترة التي سبقت السابع من أكتوبر لم تكن أوضاع النساء أفضل حالاً، حيث عانت النساء أصلاً من التمييز القائم ضدهن في سوق العمل الفلسطيني، الأمر الذي كان يتسبب في مفاقمة الصعوبات والضغوط الاجتماعية والاقتصادية التي تعيشها النساء، فمن ناحية فإن مشاركة النساء في سوق العمل الفلسطيني لا تزال منخفضة، إذ أشار الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني عن العام 2022 إلى أنه لا تزال هناك فجوة كبيرة في نسبة المشاركة في القوة العاملة بين الذكور والإناث، حيث تبلغ نسبة مشاركة النساء في القوى العاملة للعام 2022 حوالي 19% من مجمل النساء في سن العمل، بينما كانت نسبة مشاركة الرجال في نفس العام 69%. وبلغ معدل البطالة بين النساء المشاركات في القوى العاملة حوالي 40% مقابل 20% بين الرجال للعام 2022.
في ذات الوقت فقد تزايدت المسئوليات الملقاة على عاتق النساء في رعاية الأسر وإعالتهن، حيث ارتفعت نسبة الأسر التي تعيلها نساء من 8.8% عام 2007 إلى 11.7% في عام 2022. ما يقارب نصف النساء المنخرطات في سوق العمل الفلسطيني يتقاضين أجوراً تقل عن الحد الأدنى للأجور، حيث أن 40% من العاملين المستخدمين بأجر في القطاع الخاص يتقاضون أجراً شهرياً أقل من الحد الأدنى للأجر والبالغ (1,880 شيقلاً)، 38% منهم من الرجال، مقابل 50% من النساء.
وعلى الرغم من زيادة إقبال النساء على الالتحاق بالتعليم الجامعي إلا أن ذلك لم ينعكس بصورة موازية على تحسين حظوظهن في إيجاد فرص عمل، فبينما بلغت نسبة الطالبات الملتحقات في مؤسسات التعليم العالي الفلسطينية 62% من مجموع الطلبة الملتحقين في مؤسسات التعليم العالي للعام الدراسي 2021/2022، 63% من خريجي مؤسسات التعليم العالي في فلسطين هم من الإناث، إلا أن معدل البطالة يبلغ 48% بين الشباب في سن (19-29 سنة) من حملة شهادة الدبلوم المتوسط فأعلى، بواقع 61% للإناث مقابل 34% للذكور، وفق أرقام الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني.
أما في الضفة الغربية فإن الحال يتدحرج في الانحدار بسرعة قياسية بسبب حالة الحصار والقمع والاعتقالات وتدمير كل أسس ومقومات الاقتصاد الفلسطيني، حيث انضم أكثر من مائتي ألف عامل/ عاملة فلسطيني/ فلسطينية داخل دولة الاحتلال إلى صفوف العاطلين/ العاطلات عن العمل، فيما يعاني العاملين والعاملات في القطاع العام الفلسطيني، الذي تشكل النساء العاملات فيه ما يقارب 50% بسبب عجز الحكومة عن دفع رواتب هذا القطاع بسبب استمرار الاحتلال في سرقة وقرصنة الأموال الفلسطينية، فيما تنعكس كل هذه الإجراءات الاحتلالية على القطاع الخاص وسوق العمل الفلسطيني عموماً، حيث ما يزيد عن ثلث المنشآت الاقتصادية في الضفة الغربية توقف أو على وشك ذلك، ما أدى إلى ارتفاع مستويات البطالة إلى نسب قياسية، يصعب حصرها بصورة دقيقة حتى الآن، وتتراجع حقوق العاملات والعاملين إلى درجات متدنية ـ وتلاشت تقريباً فرص العمل، وتراجعت مستويات الحياة، وارتفعت معدلات الفقر.
في يوم العمال العالمي تقف النساء العاملات الفلسطينيات في صدارة هذا الواقع المظلم المشحون بالظلم والقهر، كما هو الحال دوماً في كل الحروب والكوارث الطبيعية في كل أنحاء العالم، حيث تتحمل النساء أسوأ وأصعب النتائج والتبعات السلبية، وتعاني أضعاف المعاناة والخطر والقلق. تفقد النساء العاملات فرص عملها بنسبة أكبر من العمال، وتشكل النساء العاطلات عن العمل أكثر من النصف، وكذلك الحال تتراجع الأجور وساعات العمل وغيرها من الحقوق، وتتهاوى النساء العاملات وأسرهن إلى مستويات أصعب وأكثر فقراً وحاجة.
إننا في مركز المرأة للإرشاد القانوني والاجتماعي ونحن نرسل التهاني لعمال فلسطين عموما وللنساء العاملات خاصة فإننا نؤكّد على مطلبنا الأساسي في العمل من أجل إلغاء كل أشكال التمييز ضد النساء العاملات في سوق العمل، وعلى أهمية توفير بيئة عمل آمنة وخالية من كل أشكال الاضطهاد وانتهاك الحقوق، وتعزيز دور الجهات المعنية في إيجاد السبل المناسبة لتطبيق الحد الأدنى للأجور على كل النساء العاملات في المجالات كافة، وتوفير كل المتطلبات التي تعزز وتحث انخراط النساء في سوق العمل ومحاربة البطالة في صفوفهن والاستغلال بكل أشكاله. كما نرى أهمية العمل على ضمان ظروف عمل صحية ومهنية مناسبة وخالية بشكل خاص من أي تحرشات في بيئة العمل، كما نطالب دولة فلسطين بالانضمام إلى اتفاقية منظمة العمل الدولية (190) الخاصة بمحاربة التحرش بالنساء في بيئة العمل.
عـاش الأول من أيـــــــار عيـــــــد العمال العالمي
العدالــــــــة والمســـــاواة للنســــــاء العامـــــــــلات
مركــز المـرأة للإرشــــــاد القانونــــــي والاجتمــاعي