لم يمض يوم منذ الاحتلال الا والمرأة الفلسطينية تزيد من تمسكها بأرضها وتجذرها مع عائلتها في وجهة ريح الاحتلال العاتية. لتكون المرأة الفلسطينية حاضرة في مقدمة الصفوف والأكثر معاناة نتيجة هدم المنازل ، وتقييد الحركة والتنقل والحصار العسكري على القطاع، والاستيلاء على الأرض والتوسع الاستيطاني، وسياسات التمييز العنصري، ومنع العائلات الفلسطينية من لم الشمل وما لذلك من آثار كارثية على حياة النساء والاسر الفلسطينية التي تعيش بين الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس والداخل.
في هذا اليوم نقف لنستحضر صمود النساء، المتمسكات بأرضهن وجذورهن على الرغم من المحاولات المستميتة لاقتلاعهن . نستعرض اليوم بعض قصص النساء التي جمعها طاقم المركز من الميدان والتي تعكس حالة الصمود والمعاناة للمرأة الفلسطينية.
من خانيونس منال وهي أمٌ في التاسعة والعشرين من عمرها تصف نفسها بأنها "مزارعة منذ الصغر" وأنها "ورثت الزراعة عن والدها ووالدتها" تعمل الآن مع ابنتيها وزوجها في زراعة الأرض التي تمتلكها العائلة قرب المنطقة الحدودية في غزة.
يمنع الاحتلال الاسرائيلي منال وعائلتها التواجد في مزراعهم وقت المساء، كما يمنعهم من زراعة أنواع معينة من المحاصيل. إجراءات معقدة يفرضها الاحتلال عليهم ويرغمهم على ارتداء ستر ذات ألوان معينة بحجة تمييزهم "كمزارعين" قرب الحدود.
عدم اتباع التعليمات والإجراءات التي يفرضها الجنود قد يعني التعرض لأطلاق النار لكن اتباعها والالتزام بها لا يعني عدم التعرض للانتهاكات، فقنابل الغاز والصوت تنهمر عليهم بشكل مستمر وعشوائي ولا يحتاج الجنود لأي حجة لتبرير إطلاق هذه القنابل.
تستذكر منال الحكاية التي تتكرر مع العائلة بشكل دائم وتقول: " أصبحت اصرخ بصوت عالٍ من شدة الصوت وكثافة الدخان المتصاعد، أصبحت المنطقة كلها كالضباب لا أرى شيئاً، وقفت مكاني فترة من الزمن لا أتحرك، وجلست على الأرض من الخوف، حتى هدأ الدخان ورجعت إلى بيتي مسرعة مع زوجي، هذا الحدث مستمر ويتكرر كل فترة، حياتنا خالية من الأمان والاستقرار بحكم مجاورة أراضينا للاحتلال"
لكن منال تعود لتؤكد صمودها وعائلتها على أرضها وتقول: "هم متعمدون باستمرار هذه المضايقات حتى نرحل ونترك أراضينا، ولن نتركها، نحن نعاود الرجوع إليها ولن نسلمها لهم".
ولحكاية أخرى هذه المرة في القدس حيث سياسات الهدم ومنع الشمل تجعل الحياة أكثر تعقيدا لترسم شكلا مركبا للمعاناة لنساء القدس.
منى سيدة مقدسية عانت كثيرا شردت وعائلتها أكثر من مرة وخبرت معنى فقدان المنزل وفقدان الامن وانعدام الامل. عملت الى جانب زوجها لتوفير ثمن بناء المنزل الذي طالما حلمت ان يكون مأمنها وملجأها. ورغم تدني الدخل استطاعت منى ان تدخر وبنت مع زوجها البيت بعد عناء طويل. لكن فصول الألم بدأت بعد الانتهاء من البناء وتأثيث المنزل ليأتيهم قرار الهدم من سلطات الاحتلال.
تروي منى الحكاية وتقول: "رفضت البلدية أي محاولة للترخيص، وأصدروا قراراً بهدم البيت خلال شهر، أصبحنا بلا خيار سوى هدم البيت بأيدينا، فقد كان هدم البيت عن طريق البلدية سيضيف ما يقارب (مئة الف شيكل) ونحن مدينين بمئات الالاف الشواكل، ديون بناء البيت وتأثيثه، قرر زوجي ان يهدم البيت بيديه، قام زوجي واخوته بهدم البيت ذاتياً، وشارك اطفالي الصغار بهدم البيت مع والدهم، وكان الجميع يبكي" الهدم ليس للحجر فقط لكن كما وصفته منى بأنه " كسر للروح".
انتقلت نيفين وعائتلها للعيش مع عائلة زوجها، لكن الملاحقة استمرت لتستقبل منى والعائلة صدمة اخرى، اذ أصدر الاحتلال قرار هدم نهائي لبيت عائلة زوجها، وخلال ثلاثين يوم من القرار، أصبحت منى وعائلتها بلا بيت مجدداً. وبدأت معها رحلة جديدة من التشرد والخوف لها ولعائلتها.
رغم الألم العميق ما زالت منى تحفر المعنى الملازم للمرأة الفلسطينية بالصمود رغم الألم وتقول: " اليوم أنا لا أحلم بأن أمتلك بيتاً بالقدس، ومع ذلك لن نغادرها حتى لو عشنا في خيمة، فتلك أرضنا وحقنا ان نحيا بها بكرامة".
ليست حالة منى استثنائية فيقدر مركز الاحصاء الفلسطيني ان سلطات الاحتلال الاسرائيلي هدمت أكثر من "258 مبنى في القدس وأصدرت قرارات هدم لأكثر من 220 مبنى، منها 100 مبنى سكني في حي البستان، مما يؤدي الى تشريد 1,550 فرداً غالبيتهم من الاطفال والنساء".
لا يختلف الحال كثيرا بالنسبة لسلمى، أمٌ مزارعة في الخمسين من عمرها من قرية ذنابة بمحافظة طولكرم، لم يتركها المستوطنون ترعى ارضها كما اعتادت طيلة عمرها. هاجمها المستوطنون وحرقوا ارضها. بحرقة شديدة تصف سلمى اليوم الذي وقع فيه هجوم المستوطنين على أرضها وتقول: "عند الساعة الثالثة والنصف بعد الظهر تقريبا، جهزت نفسي للذهاب الى الارض لري المزروعات والاطمئنان عليها، وعندما وصلت إلى الأرض انصدمت بتواجد حوالي خمسين مستوطنا اسرائيليا، كانوا يرتدون الزي المدني وقد قاموا باحراق الارض والصراخ (الموت للعرب)".
لم تدر سلمى ما تفعل امام هذا المشهد فلا طاقة لها بمواجهة هؤلاء المسلحين والقادمين بالعشرات الى ارضها ويحميهم جيش الاحتلال. الموقف جعلها تتجمد في ارضها وتحترق كلما شاهدت نبتة زرعتها تحترق امام عينيها ولا تستطيع ان تفعل شيئأ. فتقول: "قلبي كان يتقطع من الالم والوجع على تعبي وارضي التي اعتبرها كنزي الثمين، هي من تعيلنا ومصدر زرقي انا وزوجي وابنائي، لدينا 10 دونم مزروعة بالقمح والبندورة، الخيار، كل انواع الخضار الموسمية كلها احترقت، 20 دقيقة فقط كانت كفيلة ان يذهب بها تعب أشهر وسنوات".
حسب الإحصاء الفلسطيني فقد نفذ جنود الاحتلال والمستوطنين 8,724 اعتداءً بحق المواطنين الفلسطينيين وممتلكاتهم خلال العام 2022، وتوزعت هذه الاعتداءات بواقع 1,515 اعتداء على الممتلكات والأماكن الدينية و362 اعتداء على الأراضي والثروات الطبيعية و6,847 اعتداء على الأفراد، وتسببت هذه الاعتداءات باقتلاع وتضرر وتجريف 10,291 شجرة زيتون.