يحل علينا الثامن من آذار، يوم المرأة العالمي، هذا العام في ظل تغييرات متراكمة ومتسارعة في كل انحاء العالم. سواء من حيث استمرار الازمة العالمية الناجمة عن تفشي وباء كوفيد-19 او في ظل تزايد الصراعات والنزاعات المسلحة في مناطق عديدة في شتى بقاع الكرة الأرضية. ولعل الخلاصة العامة التي يمكن الاستدلال عليها من كل المعطيات والأرقام والدراسات تشير الى ان النتائج والانعكاسات السلبية، سواء للأوبئة او الكوارث او الحروب والنزاعات العسكرية، تطال في اشد وأصعب آثارها النساء، حيث تكون النساء اول وأكبر فئات وشرائح الضحايا والمتضررين اقتصاديا واجتماعيا وصحيا وثقافيا.
فلسطينيا تحل علينا ذكرى الثامن من آذار ولا يزال شعبنا يرزح تحت قيود الاحتلال بسياساته التي تقوم على القتل والحصار والبطش والاعتقال والتهجير وانتزاع الأرض والممتلكات وتدمير المنازل والممتلكات والمزارع والمنشآت الزراعية والصناعية وغيرها وممارسة التمييز العنصري والتطهير العرقي ضد ابناء شعبنا الفلسطيني في كل مكان، حيث استحقت دولة الاحتلال لقب نظام الفصل العنصري "الابرتايد" بشهادة المؤسسات الدولية ومنها منظمة العفو الدولية التي تعتبر جريمة ضد الانسانية
لقد أدت مجمل هذه السياسات الاحتلالية الى تدمير ممنهج لبنية الاقتصاد الفلسطيني بكافة قطاعاته، وتركت آثارها وانعكاسات على مجمل فئات وشرائح شعبنا، وطالت في اشد وأصعب آثارها وانعكاساتها النساء الفلسطينيات، وفي زيادة حدة البطش والاضطهاد والتمييز المضاعف ضدهن بسبب كونهن نساء أولا وفلسطينيات ثانيا.
سياسة الاحتلال في الاستيلاء على الأرض الفلسطينية لصالح المستوطنات، والسيطرة شبه الكلية على موارد المياه وتلويث المناطق الزراعية بمكبات نفايات المستوطنات ومعسكرات الجنود، وحرمان المزارعين من الوصول الى الكثير من أراضي الزراعية لزراعتها والعناية بها، وطرد رعاة المواشي وحرمانهم من استغلال المراعي وخاصة في مناطق الاغوار وجنوب شرق الضفة الغربية وكذلك الحال بالنسبة لحصار قطاع غزة ومنع دخول المواد اللازمة لتشغيل وصيانة معدات ضح مياه الصرف الصحي، وتدمير بعضها، وسياسة القتل التي تتبعها ضد المزارعين على المناطق المحاذية لقطاع غزة، ورش المبيدات الزراعية بالمواد السامة والملوثة، و وتقييد و/او منع تصدير المنتجات الزراعية، مجمل هذا السياسة ساهمت بشكل كبير في تغييرات مناخية في فلسطين وادت الى تراجع مساهمة ودور النساء في قطاع الزراعة بشكل خاص/ وهو ما ينعكس بصورة اكثر سلبية على مكانتهن الاقتصادية والاجتماعية والسياسة، ويعزز عملية الاقصاء والتهميش ضدهن.
كما ترتب على تلك السياسة اضطرار عشرات آلاف من النساء الفلسطينيات الى الانخراط في سوق العمل الاحتلالي في المزارع والمصانع وهو ما يعرضهن لمزيد من الاستغلال سواء الأجور او في شروط وظروف العمل وطبيعة الاعمال الملقاة على عاتقهن، كما يعرضهن للاستغلال سواء من ارباب العمل الإسرائيليين او ما يسمى "سماسرة" العمال، ويحرمن تقريبا من كامل الحقوق والامتيازات العمالية. كما حملت آلاف النساء مزيدا من الأعباء الاقتصادية والاجتماعية والصحية والنفسية لهن ولأسرهن بعد تشريد عائلاتهن وتدمير منازلها وممتلكاتها سواء في قطاع غزة او القدس وبقية مدن الضفة الغربية والاغوار الفلسطينية. وحتى الان لا تزال عشرات النساء في سجون الاحتلال تعاني من ظروف اعتقال وتنكيل تخالف كل المعايير والقوانين الدولية، وواجهت 184 سيدة الاعتقال في العام 2021، حيث ما زالت تقبع (32) سيدة في سجون الاحتلال الاسرائيلي حتى تاريخ 23/02/2022، منهنَ (14) سيدة من محافظة القدس، و(11) أما، وأسيرة إدارية وأسيرة قاصر، و(7) أسيرات فوق سن الـ 50، واستشهدت (48) سيدة خلال العام 2021 بما يشمل العدوان الاسرائيلي على قطاع غزة في أيار 2021.
اما على الصعيد الفلسطيني الداخلي فانه رغم بعض التغييرات القانونية والتدابير والاجراءات التي تم تحقيقها خلال السنوات الأخيرة في عدة مجالات، كتغيير بعض النصوص والمواد القانونية التي تنتقص من حقوق النساء، وانشاء نظام "الكوتا" النسوية في بعض نظم الانتخابات المجتمعية، وتأسيس بعض الهيئات والوحدات المرتبطة بالمرأة والنوع الاجتماعية، فضلا عن توقيع دولة فلسطين على سلسلة من المواثيق والمعاهدات الدولية لحقوق الانسان، ومنها اتفاقية محاربة كافة اشكال العنف ضد المرأة "سيداو" الا انه لا يمكن اعتبار كل هذا الا تقدم محدود وخطوات أولى على مسار درب طويل يتطلب الإرادة والتصميم العالي لكسر حدة التهميش والتمييز الذي عانت منه النساء عبر قرون من الزمن وترسخ في ثقافة ابوية بطريركية تضرب جذورها في كل تفاصيل مجتمعنا.
تشير العديد من الإحصاءات الرسمية الى ان نسبة تمثيل النساء لا تزال منخفضة جدا في الكثير من المجالات المجتمعية، فمشاركة النساء في سوق العمل تقارب 17%، بينما ترتفع نسب البطالة بين صفوف الخريجات، حيث بلغ معدل البطالة 53% بين الشباب (19-29 سنة) من حملة شهادة الدبلوم المتوسط فأعلى، بواقع 66% للإناث مقابل 39% للذكور. ولا تزيد نسبة مشاركة النساء في الوظائف العليا في الوظيفة العامة عن 15% في أحسن الأحوال، في الوقت الذي تشكل نسبتهن ما يقارب ال 47 % من العاملين في هذا القطاع.
وتنخفض نسب النساء في كل مراكز صنع القرار في المؤسسات والهيئات الوطنية والسياسية والمجتمعية. فرغم ان نسبة طالبات الجامعات تقارب ثلثي عدد الطلبة الا ان نسب النساء في المراكز العليا في الجامعات تقارب 11% فقط، ونسبة النسبة تقريبا في قيادة الاتحادات والنقابات (9%). وكانت نسبة تمثيل النساء في المجلس المركزي تقارب 5% عام 2018، (ارتفعت عام 2022 الى 25%)، 11% من أعضاء المجلس الوطني، وما يقارب 12.5% في الحكومة، 11% في السلك الدبلوماسي، 20% من المراكز القيادية في الأحزاب والقوى السياسية. وتشكل النساء ما نسبة 6% في مراكز القرار في أجهزة الامن، 11% من أعضاء مجالس الإدارات الإقليمية للبنوك، 8% من إدارات الشركات المسجلة في بورصة فلسطين، امرأة واحدة في منصب محافظ مقابل 15 للذكور. 2% من رؤساء الهيئات المحلية في فلسطين هنَ من النساء، في ادارة مجلس الغرف التجارية والصناعية والزراعية فقد بلغت النسبة 99% من الرجال، مقابل 1% فقط من النساء، وحوالي 19% نسبة القاضيات، ونسبة وكيلات النيابة تبلغ 20%.
على صعيد العنف والقتل، لا تزال سياسة قتل النساء لأسباب مختلفة ومتعددة قائمة، فقد رصدنا خلال الثلاث أعوام الماضية (2019-2021) مقتل (85) امرأة وفتاة في الضفة الغربية وقطاع غزة، فيما أشار الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني تعرّضت 58.2% من النساء المتزوجات حالياً أو اللواتي سبق لهن الزواج (15-64 سنة) في فلسطين للعنف "على الأقل لمرة واحدة" من قبل أزواجهن كيفما كان شكله، وكان العنف النفسي أكثر نوع عنف يمارس ضد النساء المتزوجات حالياً أو اللواتي سبق لهن الزواج (15-64 سنة) من قبل أزواجهن في فلسطين، حيث تعرضت 57.2% من النساء للعنف النفسي "على الأقل لمرة واحدة"، وتعرضت 18.5% من النساء للعنف الجسدي "على الأقل لمرة واحدة"، وتعرضت 9.4% من النساء للعنف الجنسي "على الأقل لمرة واحدة"، خلال 12 شهراً الماضية التي سبقت المقابلة للعام 2019.وغيرها الكثير الكثير من ارقام واحصاءات الاقصاء والتهميش والتمييز والعنف.
ورغم ذلك فقد حملة النساء المزيد من الأعباء في سوق العمل وفي رعاية الاسر واعالتها عند هدم منازلها وممتلكاتها وتشريها، وعند اعتقال او استشهاد ارباب الاسر، فضلا عن كل جوانب الرعاية والعناية الصحية والنفسية وخاصة خلال ازمة كوفيد-19 وما رافقها من إجراءات. وربما زادت هذه الازمة أوضاع النساء سوءا على سوء، فقد كانت النساء اول وأكبر المتضررين من الازمة، واخر المستفيدات من اية إجراءات وتدابير رعاية وتعويض. فخلال النصف الثاني من عام 2020 كانت نسبة النساء العاملات المعيلات لأسرهن تقارب 14% مقابل 68% من الذكور، اضطرت فقط ما نسبته ربع النساء المعيلات لأسرهن للتغيب عن العمل بسبب التدابير والإجراءات المرتبطة بتفشي الوباء في فترة النصف الثاني من عام 2020 مقابل ما نسبته 45% من الذكور تغيبوا عن العمل لنفس الأسباب والفترة الزمنية.
وماذا بعد؟!
لقد حان وقت التغيير
والحال هذه يطل علينا الثامن من آذار في ظل كل الظروف التي أشرنا اليه أعلاه. ان كل ذلك انما يؤكد ان هناك حاجة لتتولى كل الهيئات والمؤسسات المجتمعية مسئولياتها في العمل المثابر والجاد لانجاز المزيد من التغييرات في مختلف البنى والمؤسسات المجتمعية، وعلى كافة الأصعدة لتغيير مكانة النساء وتحقيق الهدف الأساسي في تحقيق المساواة الكاملة بين الذكور والاناث في كل جوانب حياة المجتمع
ويقع على عاتق الدولة ومؤسساتها أولا في اتخاذ كل الإجراءات والتدابير التي تكفل التغيير الممنهج للثقافة التقليدية الابوية القائمة التي تكرس التبعية والتمييز، والتصدي لها بكل حزم وثانيا في التسريع في انجاز الكثير من التغييرات القانونية والتدابير الأخرى التي تكفل موائمة القوانين مع كل الأنظمة والقوانين الفلسطينية كوثيقة استقلال فلسطين والقانون الأساسي الفلسطيني وكذلك مع المعاهدات والمواثيق الدولية والإنسانية التي التزمت بها الحكومة الفلسطينية. وفي مقدمة ذلك المصادقة على قانون حماية الاسرة من العنف، وإقرار قانون العقوبات الفلسطيني وغيرها من القوانين ذات العلاقة
عاش الثامن من اذار يوم المرأة العالمي
مركز المرأة للإرشاد القانوني والاجتماعي
الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، وزارة شؤون المرأة، 2020. المرأة في صنع القرار. رام الله -فلسطين
الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني،2021. المرأة والرجل في فلسطين -قضايا وإحصاءات، 2021. رام الله -فلسطين
الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، د. عوض، تستعرض أوضاع المرأة الفلسطينية عشية يــوم المـــــرأة العـــالمــي، 08/03/2022 تحت عنوان "المساواة بين الجنسين اليوم من أجل غد مستدام". الموقع الالكتروني على الرابط:
https://pcbs.gov.ps/postar.aspx?tabID=512&lang=ar&ItemID=4187&mid=3915&wversion=Staging
هيئة شؤون الأسرى والمحررين،