اظهر تقرير أصدره مركز المرأة للإرشاد القانوني والاجتماعي حجم المعاناة التي تعانيها النساء الفلسطينيات في مدينة القدس نتيجة سياسات إسرائيل وفي مقدمتها سياسة الاستيلاء على المنازل بالقوة وتهجير سكانها منها. وأشار التقرير إلى أن إسرائيل تنتهك القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، من خلال تضييقها المستمر على الحقوق المختلفة للفلسطينيين في القدس، وبخاصة الحق في توفر السكن الملائم. وأكد التقرير على أن الانتهاكات الإسرائيلية لا تتوقف عند حد التضييق على التوسع السكاني للفلسطينيين، وإنما تشمل أيضا إخلاء المنازل وتهجير سكانها منها تمهيدا لهدمها بحجة البناء بدون ترخيص، أو لتمكين المستوطنين من الاستيلاء عليها والإقامة فيها. وأشار المركز في تقريره إلى أن هذا الأمر يشكل انتهاكا صارخا للعهد الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والعهد الخاص بالحقوق الاقتصادية والثقافية والاجتماعية، وكذلك اتفاقيات جنيف الرابعة وغيرها من المعاهدات الدولية. وابرز التقرير أيضا أهم الأمور التي خرجت بها اللجنة المعنية لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة خلال مراجعتها في تموز الماضي لمدى التزام إسرائيل بالعهود والمواثيق الدولية، وبخاصة تجاه الفلسطينيين في القدس. وكانت اللجنة قد عبرت في حينه عن قلقها من السياسة الإسرائيلية في هدم المنازل.
واظهر التقرير الذي ركز على تقييم اثر إخلاء المساكن بالقوة على النساء الفلسطينيات في مدينة القدس، أن النساء هن أكثر المتضررين من جراء هذه السياسة التي تطال مختلف جوانب حياتهن، وتترك أثارا سلبية على أوضاعهن الصحية والنفسية والاجتماعية، كما أنها تنال من قدرتهن على الاهتمام بأطفالهن وأسرهن وممارسة حياتهن الطبيعية. اعتمد التقرير على سلسلة من المقابلات الفردية لأكثر من (13) امرأة من مناطق البلدة القديمة، حي البستان، العيسوية، الاشكرية وجبل المكبر في مدينة القدس. كما تابع التقرير الذي تم العمل عليه منذ بداية العام 2009 حالات النساء الفلسطينيات قبل عمليات هدم المنازل وإخلاء السكان منها، وخلال عملية الهدم، والفترة اللاحقة لعملية الهدم والإخلاء. وتضمنت الشهادات التي قدمتها النساء على شكل إفادات مشفوعة بالقسم وصف موسع للظروف الاقتصادية والاجتماعية والصحية والنفسية للنساء وأسرهن. كما وصفن حجم وتفاصيل المعاناة والآلام التي تتسبب بها عملية التهجير من المنازل وهدمها، تلخص إحدى النساء اللواتي تمت مقابلتهن الوضع بالقول "أنا لا أشعر بأي إحساس بالأمان. أنا أعيش بشكل دائم مع الشعور بأني لا أعرف ما الذي سيحدث لمسكني. وأشعر أيضاً بعدم الأمان في علاقتي مع زوجي وتجاه أبنائي. أحاول أن أجعل الأمور تبدو طبيعية ولكن ذلك صعب للغاية – أنا أشعر بالتوتر والعصبية، وتنعكس هذه المشاعر على زوجي وعلى الأبناء. عندما يعمل الصغار على واجباتهم المنزلية ويطلبون مني المساعدة أغضب بسرعة وأقول لهم أن يذهبوا بعيداً. إن الوضع بأكمله يجعلني أشعر وأتصرف على هذا النحو. لا أستطيع أن أفكر في المستقبل ولا أسمح لنفسي للتفكير فيه لأن ذلك سيكون صعباً كثيراً بالنسبة لي وسيسبب الكثير من الانزعاج.. إن صحتي تتأثر بالوضع".
تظهر هذه الشهادة الآثار السلبية التي تتركها سياسة الإخلاء والهدم ليس على النساء فقط، وإنما على الأسر الفلسطينية كاملة. وهذا ما يؤشر على خطورة سياسة الاحتلال التي تهدف في نتائجها النهائية إلى تهجير السكان الفلسطينيين من مدينتهم تمهيدا لتهويدها والسيطرة عليها.
وطالب المركز في نهاية تقريره المجتمع الدولي بإثارة القضية لدى الأطراف العليا المتعاقدة في اتفاقية جنيف لإلزام إسرائيل بالامتثال بالتزاماتها الناشة عن اتفاقية جنيف الرابعة، وكذلك تدخل الأمم المتحدة وأمينها العام ومجلس حقوق الإنسان ومجلس الأمن بالتدخل الفوري لوقف هذه السياسة. وطلب المركز السلطات الإسرائيلية احترام وتنفيذ أحكام القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان بخصوص السكان الفلسطينيين في الأرض الفلسطينية المحتلة، وخاصة فيما يتعلق بالتوقف عن إخلاء المساكن بالإكراه، وضمان تلبية حق الفلسطينيين في الإسكان الملائم، وتوفير الإسكان والتعويض والمساعدة القانونية للأسر التي سبق وأن تعرضت للإخلاء. وكذلك التحقيق والملاحقة القضائية عند الضرورة للمستوطنين والجنود الذين يرتكبون أفعال العنف، بما في ذلك المضايقات، ضد الأسر المعرضة للتهديد بالإخلاء أو التي تم إخلاؤها حديثاً.
وأهاب مركز المرأة للإرشاد القانوني والاجتماعي في تقريره بالسلطة الوطنية الفلسطينية لتقديم الدعم للتدخل القضائي والمساعدة القانونية للأسر المهددة بالإخلاء بالإكراه، وشن حملة دولية لحشد الدعم والتأييد لإجبار إسرائيل على وقف هذه السياسة. كما أوصى المركز بضرورة قيام المؤسسات الأهلية المحلية والدولية ببناء وتنفيذ البرامج لتأهيل المجتمعات، وخاصة بالتركيز على تقديم الإرشاد الاجتماعي والنفسي للأسر المتضررة. تقديم المساعدات المالية للأسر المتضررة من إخلاء المساكن بالإكراه، وخاصة النساء، للمساعدة على مواجهة الفقر الذي يتسبب به الإخلاء بالإكراه أو يزيده. واستخدام الآليات الدولية لحقوق الإنسان، مثل اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة وتقارير المقررين الخاصين، لإثارة القضايا الواردة في هذا التقرير وأثرها على النساء.
يذكر أن مركز المرأة للإرشاد القانوني والاجتماعي قام خلال العام الحالي بعقد سلسلة اجتماعات مع عدد من المؤسسات النسوية والحقوقية من اجل إعداد تقرير خاص بالانتهاكات الإسرائيلية لحقوق النساء الفلسطينيات، وقام بعرض التقرير على لجنة "سيداو" في نيويورك خلال آب الماضي. ويجري حاليا التنسيق من اجل تحديث التقرير لتقديمه إلى اجتماع اللجنة القادم خلال شهر كانون ثاني 2011. خاصة أن ممثلي إسرائيل سوف يشاركون في الاجتماع، وعليه سيتم إعداد التقرير، من اجل مساءلة إسرائيل أمام اللجنة عن انتهاكاتها لحقوق النساء الفلسطينيات في مختلف المجالات. وكذلك وضع المجتمع الدولي عامة، ولجنة "سيداو" خاصة أمام مسؤولياتها في توفير الحماية للنساء الفلسطينيات، ووقف كافة أشكال الانتهاكات لحقوقهن.