في أجواء الاحتفال بأسبوع مناهضة العنف ضد المرأة النساء الفلسطينيات واتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة "سيداو" مقدمة.. اتفاقية "سيداو" مرحلة متقدمة في نضال المرأة لتحقيق المساواة

  • الرئيسية
  • الأخبار
22 نوفمبر 2010

شكلت اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة "سيداو" التي أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1979 محطة هامة ومتقدمة في نضال المرأة العالمي من اجل القضاء على التمييز والاضطهاد القائم ضدها وعلى مختلف المستويات، وفي شتى المجالات. وقد جاءت الاتفاقية لتعكس ثمار نضال الحركة النسوية على امتداد أكثر من قرن من الزمان، وهي تعتبر أول وثيقة على المستوى الدولي تتناول قضايا المرأة بهذا التفصيل والعمق والشمولية، وتدعو إلى مساواتها التامة بالرجل.

عبرت الاتفاقية في حينه عن تنامي الوعي، سواء وعي النساء أنفسهن أو وعي المجتمع بشكل عام، بأهمية مساواة المرأة بالرجل، ووقف كافة أشكال التمييز ضدها. وقد جاءت الاتفاقية في سياق اعتراف عالمي بحقيقة التمييز والاضطهاد وأهمية المساواة. حيث أقرت الأمم المتحدة في العام 1975 عقد خاصا أسمته "عقد المرأة"، وعقدت خلاله ثلاث مؤتمرات دولية ( مكسيكو 1975، كوبنهاجن 1980 ونيروبي 1985) شاركت فيها عشرات الآلاف من الناشطات النسويات وممثلي المؤسسات الحقوقية والحكومات والدول المختلفة، وكذلك الباحثين والمفكرين وغيرهم. وسلطت المؤتمرات الثلاث كل الأضواء على مختلف القضايا التي تهم المرأة. ونتج عنها آلاف الوثائق والأبحاث والدراسات والتجارب من مختلف أنحاء العالم. وشكلت محطة هامة وغير مسبوقة في تاريخ نضال المرأة من اجل المساواة، كما أنها شكلت أيضا محطات كبيرة من اجل رفع وتيرة الضغط والتأثير تجاه قضايا المرأة والمطالبة بحقوقها المختلفة. حيث جاءت اتفاقية "سيداو" على هذه الأرضية. كما أنها وضعت آليات محددة وواضحة لمساءلة الدول والحكومات عن مسؤولياتها وواجباتها تجاه مساواة المرأة، وحماية حقوقها في كل مجالات الحياة.

من منطلق حرص مركز المرأة للإرشاد القانوني والاجتماعي وعمله الدائم على مدى سنوات من أجل قضايا المرأة بشكل عام، والسعي لمساواتها بالرجل بشكل خاص فقد عقد المركز دورة تدريبية حول اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة "سيداو"، واستمرت لمدة ثلاثة أيام في الثلث الأول من شهر تشرين ثاني الحالي، وشاركت فيها 20 من الناشطات النسويات والحقوقيات والباحثات الميدانيات في عدد من المؤسسات النسوية في مختلف مناطق الضفة الغربية. وهدفت الدورة التدريبية إلى توعية المشاركات حول مضامين الاتفاقية، ومدى موائمة أو عدم موائمة القوانين المعمول بها في فلسطين وخاصة قانوني الأحوال الشخصية وقانون العقوبات الفلسطينيين مع مضامين الاتفاقية، ومسؤولية إسرائيل كدولة محتلة تجاه النساء الفلسطينيات بموجب الاتفاقية. وكذلك تدريب المشاركات على آليات كتابة التقارير إلى اللجان المختلفة في الأمم المتحدة وخاصة إلى لجنة "سيداو"، وآليات المناصرة على الصعيد الدولي من اجل مواجهة الانتهاكات الإسرائيلية لحقوق النساء الفلسطينيات. حيث أن إسرائيل هي المسئولة عن الأمن الإنساني للمجتمع الفلسطيني بناءا على الاتفاقيات الدولية ومنها القانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان. وشارك في التدريب مجموعة من المدربات المتخصصات من مركز المرأة وخارجه.

الاتفاقيات والمعاهدات الدولية وواقعنا الفلسطيني

تدور الكثير من التساؤلات حول مصير العديد من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية، وإمكانيات تطبيق بنودها ونصوصها على واقعنا الفلسطيني تحت الاحتلال الإسرائيلي. وربما تدور بعض التساؤلات أيضا حول الجدوى من هذه الاتفاقيات في ظل رفض إسرائيل وإصرارها على ضرب كل هذه الاتفاقيات بعرض الحائط، والاستمرار في انتهاكاتها المختلفة تجاه الشعب الفلسطيني.

بالطبع فان هذه التساؤلات تتناول أيضا اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة "سيداو". والسؤال النسوي هنا يدور حول إمكانية تحقيق المساواة للنساء الفلسطينيات في ظل واقع الاحتلال والقهر والمعاناة وانتهاك الحقوق الذي تعيشه النساء، سواء من الاحتلال الإسرائيلي أو من داخل المجتمع الفلسطيني نفسه. ومما لا شك فيه أن الإجابات يمكن أن تتراوح بين السلبية المطلقة واليأس من إحداث تغيير، والاستسلام للواقع. وبين التفاؤل ورؤية الواقع والإمكانيات المتوفرة من اجل تغييره، وكيفية القيام بهذا التغيير.

تغيير الواقع يحتاج إلى العمل

يتضح أن التغيير لا يمكن أن يحدث إلا من خلال العمل. إلغاء واقع التمييز والإجحاف بحق النساء يحتاج إلى حشد الجهود وتعبئة طاقات النساء وكل من يؤمن بقضايا المرأة من اجل تغيير الواقع. وبالنسبة للمعاهدات والاتفاقيات الدولية، فانه وان كان الوضع صعب في هذا المجال، إلا أن ذلك لا يمكن أن يعفي من المسؤولية. حيث يقول المثل الصيني "إن مسيرة الألف ميل تبدأ بخطوة واحدة". وإذا افترضنا أن تحقيق المساواة والعدالة هي مسيرة الألف ميل فانه علينا أن نبدأ بالخطوة الأولى. ولذا فقد جاءت فكرة تدريب مجموعة من القيادات النسوية حول مضامين ونصوص اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة "سيداو". وكذلك التدريب على آليات عمل لجنة الأمم المتحدة المكلفة بمتابعة تنفيذ اتفاقية "سيداو".


محاور التدريب الرئيسية

حنان أبو غوش من مركز المرأة للإرشاد القانوني والاجتماعي، ومدربة في الدورة أشارت إلى أن هناك أهمية لتوعية وتدريب القيادات النسوية حول اتفاقية "سيداو" وعلاقتها بوضع النساء الفلسطينيات، وآليات تطبيق الاتفاقية. وذكرت أبو غوش بان إسرائيل تتحمل مسؤولية أمام المجتمع الدولي فيما يتعلق بحماية وتوفير المساواة للنساء الفلسطينيات وتمتعهن بكافة الحقوق التي ضمنتها لهن المواثيق الدولية ومن ضمنها اتفاقية "سيداو". أما المحامية لينا عبد الهادي التي شاركت في الدورة كمدربة فقد ركزت على القوانين الفلسطينية واتفاقية "سيداو"، وخاصة قانوني العقوبات والأحوال الشخصية باعتبارهما من أكثر القوانين التي لها علاقة مباشرة بعدد من الأمور التي تتعلق بالمرأة. محاور التدريب هنا أشارت إلى أن فلسطين ليست دولة مستقلة بعد إلا أنه بالرغم من ذلك فقد صادقت السلطة الوطنية الفلسطينية على الاتفاقية وبهذا فقد أخذت على عاتقها مسؤولية تطبيق بنودها من ناحية توفير المساواة للنساء الفلسطينيات والسعي لإزالة العقبات أمام تحقيق تلك المساواة.

هناء روت-بروكس المتخصصة في القانون الدولي الإنساني والمدربة في الدورة سلطت الضوء على إمكانيات الضغط التي يمكن توفيرها من خلال الاتفاقية للتأثير على إسرائيل لوقف انتهاكاتها لحقوق النساء الفلسطينيات، ووضعها أمام مسؤولية دولية في توفير المساواة والأمن الإنساني لهن.

أهمية تدريب القيادات النسوية حول اتفاقية "سيداو"

تشير حنان أبو غوش من مركز المرأة للإرشاد القانوني والاجتماعي إلى أن لجنة "سيداو" التابعة للأمم المتحدة تناقش تقارير الدول المختلفة الموقعة عليها كل أربع سنوات ، وتستمع إلى تقارير من هذه الدول حول وضع النساء خلال السنوات الأربع. في وضعنا الفلسطيني، وبسبب رفض إسرائيل المستمر تقديم تقارير عن أوضاع النساء الفلسطينيات تحت الاحتلال، وعدم وجود دولة فلسطينية فان مؤسسات المجتمع المدني الفلسطينية هي التي تقوم بتقديم تقرير بديل حول مجمل وضع النساء الفلسطينيات. ولذلك فقد بادر مركز المرأة للإرشاد القانوني والاجتماعي إلى التحضير لإعداد التقرير خلال العام 2010 وعقد لهذا الغرض ثلاث ورش عمل مركزية في مناطق الخليل- رام الله ونابلس وشاركت فيها القيادات والناشطات النسويات بهدف بلورة المعالم والأولويات التي تضمنها التقرير الذي تم تقديمه إلى لجنة "سيداو" خلال اجتماعها الذي كان عقد في نيويورك خلال آب من هذا العام. وقام فعلا وفد من مركز المرأة بتقديم تقرير أولي إلى اللجنة، واستمعت اللجنة إلى ملاحظات وتوصيات الوفد، التي أخذتها اللجنة بعين الاهتمام والاعتبار. واستكمل المركز خطواته من اجل تحديث التقرير تمهيدا لتقديمه بصورته النهائية إلى لجنة “سيداو” في اجتماعها المقبل خلال كانون ثاني 2011، علما إن هذا الاجتماع سيخصص لمساءلة مجموعة من الدول ومن بينها إسرائيل . ومن هنا تأتي أهمية الدورة التدريبية من ناحية مساهمة القيادات والناشطات النسويات في تحديث التقرير وبلورته بصورته النهائية.
وتعتقد سلوى دعيبس من وحدة التوثيق والمناصرة في مركز المرأة أن هناك أهمية لذلك حيث أن التقرير يتضمن مساءلة ممثلي إسرائيل في الأمم المتحدة حول انتهاكاتها المختلفة لحقوق النساء الفلسطينيات. وأشارت دعيبس إلى أن مركز المرأة يقوم حاليا بالعمل على توثيق هذه الانتهاكات من خلال مجموعة من الباحثات الميدانيات، وسوف يتضمن التقرير ابرز الاستخلاصات التي تم جمعها من الرصد والتوثيق.

أكدت المشاركات أن هناك أهمية للتدريب حول اتفاقية "سيداو"، حيث أشارت انشراح جرادات- باحثة ميدانية في مجال توثيق الانتهاكات لحقوق النساء إلى أن الدورة ساعدتها في ربط عملها في توثيق الانتهاكات بالبنود المختلفة للاتفاقية، كما ساعدتها أيضا على رؤية أعمق وأوسع للقوانين الفلسطينية، أو مشاريع القوانين وفحص مدى ملامتها لنصوص الاتفاقية.

الباحثة الميدانية في مركز المرأة وعضوة هيئة إدارية في جمعية العمل النسوي نهاية الشحاتيت أشارت إلى أنها مهتمة كإمرأة باتفاقية "سيداو"، فضلا عن أهميتها في مجال عملها، وخاصة في اطلاعها على التشريعات والقوانين وعلاقتها بوضع ومكانة المرأة في المجتمع. وأكدت أن الدورة ساهمت في توسيع علاقاتها بالناشطات النسوية في المناطق المختلفة. ونوهت علا الجولاني الباحثة الميدانية إلى أن مشاركة فئات مختلفة من النساء في الدورة كالمحاميات، الباحثات، الممرضات والعاملات الاجتماعيات ساهم في توسيع عملية تبادل الخبرات بين المشاركات وتعزيز تجربة الحركة النسوية. وعبرت مها احمد من جمعية مدرسة الأمهات عن اهتمامها بالمشاركة في الدورة، وأشارت إلى أنها شكلت فرصة كبيرة لتبادل الخبرات بين المنظمات النسوية المختلفة، بالإضافة إلى كونها تعزيز لمعلومات ومهارات المشاركات حول اتفاقية "سيداو".

أمل الجعبة- منسقة مركز المرأة في الخليل رأت أن استمرار التوعية والتدريب للناشطات النسويات حول اتفاقية "سيداو" يلعب دورا مهما في عملية نقل الخبرة والمعرفة وتجربة الحركة النسوية العالمية والفلسطينية إلى الأجيال المختلفة من النساء، وهو ما يترك أثرا ايجابيا على استمرار النضال من اجل تعزيز مكانة المرأة في المجتمع. وأشارت الجعبة إلى انه يمكن للنساء الاستفادة من نصوص اتفاقية "سيداو" من خلال رصد وتوثيق الانتهاكات المختلفة لحقوق النساء، وتقديم الشكاوى الجماعية والفردية إلى لجنة الأمم المتحدة المكلفة بمتابعة تنفيذ الاتفاقية.


مها أبو دية- مديرة مركز المرأة للإرشاد القانوني والاجتماعي قالت أن المجتمع الدولي يتحمل مسؤولية كاملة عن توفير الحماية والأمن والسلم للنساء الفلسطينيات، وتحقيق العدالة والمساواة لهن عبر العمل والتأثير على مختلف المستويات من اجل وقف أية انتهاكات لحقوق النساء أولا، وثانيا توفير الظروف الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي تكفل لهن العيش في بيئة آمنة وتتيح للنساء تطوير دورهن وتعزيز مكانتهن وتحقيق العدالة والمساواة.

يجدر التوضيح أن مركز المرأة بادر وبالتنسيق مع ناشطات نسويات فلسطينيات داخل الخط الأخضر إلى تقديم تقرير إلى لجنة "سيداو" في العام 2005 حول وضع النساء الفلسطينيات تحت الاحتلال. وقد أثار التقرير في حينه حفيظة ممثلي إسرائيل التي رفضت أي شكل من أشكال المساءلة لها عن وضع النساء الفلسطينيات تحت الاحتلال. ودخلت إسرائيل في مواجهة مع لجنة "سيداو" التي أكدت في قراراتها على مسؤولية إسرائيل في توفير المساواة للنساء الفلسطينيات تحت الاحتلال. وقد شكل ذلك تجربة مهمة للنساء الفلسطينيات، وخطوة أولى للسير قدما في تقديم التقارير إلى لجنة "سيداو"، والدفع من اجل إيجاد مناخ دولي مؤثر على إسرائيل لوقف انتهاكاتها، وتحميلها مسؤولية توفير المساواة للنساء الفلسطينيات.

يقول المثل: "أن تضيء شمعة خير من أن تلعن الظلام ألف مرة". هناك من يلعن الظلام، ويستمر فقط في تكرار ذلك. وهناك من وضع رجله على بداية الطريق، وأدرك أن إضاءة شمعة هي خطوة على طريق تبديد الظلام، ووقف كافة أشكال التمييز الذي تتعرض له المرأة الفلسطينية التي تكتوي بنار الاحتلال الإسرائيلي، ونار التمييز والقمع ضدها.