"اصوات النساء الفلسطينيات" هو عنوان الكتاب الجديد الذي اصدره مركز المرأة للارشاد القانوني والاجتماعي في اذار الماضي. وهو تقرير حول انتهاكات إسرائيل لحقوق الإنسان ضد المرأة الفلسطينية. ويعرض التقرير حالات 19 امرأة تحدثن بكلماتهن الخاصة ليروين تأثير الانتهاكات الاسرائيلية على حياتهن، وحياة اسرهن خلال عام 2009.
يهدف مركز المرأة من هذا التقرير إلى تسليط الضوء على انتهاكات حقوق الإنسان التي تواجهها المرأة الفلسطينية وتأثير الاحتلال على علاقات النوع الاجتماعي. وتم أعداد التقرير في إطار القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي. قام بالتوثيق فريق من الباحثات الميدانيات من مختلف أنحاء الضفة الغربية، وسجلن شهادات مشفوعة بالقسم للنساء اللواتي تحدثن عن تجاربهن المختلفة في ظل الاحتلال: عن عنف المستوطنين والجنود الإسرائيليين، وعن القيود المفروضة على حركتهن بسبب نقاط التفتيش وجدار الفصل، وعن تعرض بيوتهن للهدم، وعن إخلائهن من بيوتهن بالقوة، وعن انفصالهن عن عائلاتهن بسبب نظام التصاريح المشدد.
فمثلا تروي احدى النساء الفلسطينيات (51) عام من مدينة الخليل قصص معاناتها مع المستوطنين، ومضايقاتهم المتعدد لها. وتصف احد الوقائع التي حصلت معها في عام 2009 حينما كانت تنقل والدتها (70) عام في سيارة اسعاف بالقول: "رأيت من النافذة الخلفية مجموعة من المستوطنين، ربما عشرة أو خمسة عشر منهم تجمهروا على جانب الطريق. أحد أطفال المستوطنين، الذي كان يبدو في عمر 14 سنة تقريباً، كان يسير باتجاه سيارة الإسعاف. أثناء حديث الجندي مع السائق، رأيت الصبي ينحني لكي يلتقط حجراً. نظر الجندي إلى الصبي وواصل التحدث مع السائق. في هذه اللحظة، ألقى الصبي بالحجر على النافذة الخلفية لسيارة الإسعاف وكسرها. سقط الحجر بالقرب مني ومن أمي. شعرت بالذعر وصرخت في الجندي. قلت له: "أمي في وضع خطير، خذ هذا الصبي بعيداً". تحدثت إليه بالعربية ولست متأكدة إلى أي حد فهم ما قلته. ولكن الجندي لم يتحرك ولم يفعل أي شيء. ثم التقط الصبي حجراً آخر ورماه على النفاذة ذاتها، مما سبب تناثر كل ما تبقى من زجاج مكسور. أثناء حدوث ذلك، انحنيت فوق أمي لأحميها ولأمنع الحجارة والزجاج المكسور من السقوط عليها. ثم رفعت رأسي ورأيت عدداً من أطفال المستوطنين الآخرين يقتربون منا. ولم يفعل الجندي أي شيء لمنع المستوطنين من مهاجمتنا".
وتكشف الحكايات عن واقع الحياة في ظل الاحتلال، إلى جانب تأثير ذلك على النساء ومخاوفهن وقلقهن على عائلاتهن. إن قصص النساء لا تشهد على وحشية الاحتلال وما يمارسه من تمييز وعنف فحسب، بل وتشهد أيضاً على قوة المرأة الفلسطينية وقدرتها على التحمل.
تروي امرأة اخرى (77) عام من حي البستان في سلوان في مدينة القدس المحتلة حكايتها مع الاحتلال الذي يهدد بهدم منزل العائلة: "عشت في منطقة البستان في حي سلوان في القدس طيلة الوقت، يعيش معي الآن زوجي المريض وعمره (82) عام، ومنذ عام 2007 لم يعد بامكانه الحركة واصبح طريح الفراش. ويعيش معنا ايضا ابني مع زوجته واربعة ابناء. في آب 2008، جاء موظفي البلدية وجنود من الجيش الاسرائيلي. كان زوجي مريض وطريح الفراش وغير قادر على النهوض والتحدث اليهم، خرج ابني للتحدث معهم. طلبو رؤية زوجي ولكن ابني اعلمهم انه مريض ولا يستطيع الخروج من البيت واخبرهم انهم يستطيعون الدخول لرؤيته. كنت واقفة تحت الكرمة وقامو بالحديث معي وسألوني عن اسم زوجي، وكم عمري وايضا طلبوا رؤية اوراق " الارنونا". قمت باعطائهم الاوراق، التي بينت لهم اننا كنا ندفع الضريبة وكنا ندفعها اولا بأول. وقامو بعدها بأخذ صور للمنزل. لقد خفت عندما جاؤوا، لم ينذرونا بقدومهم ولم يفسروا حقيقة ماذا يريدون ولماذا هم هناك. في الحقيقة وفي تلك الحادثة، انهرت بسبب التوتر، ابني سألني: لماذا انهرتي؟ يجب ان تكوني قوية، هذا ما يحصل مع الجميع. لكن انا قلقة على منزلنا وماذا سيفعلون به، انا قلقة ماذا سنفعل لو هدموا منزلنا، هذا المنزل هو نتاج عمر من العمل الشاق والتوفير. اعرف انه هناك مشاكل كبيرة في منطقة البستان، سمعت ان جميع المنازل ممكن ان تهدم، وان لم اكن قلقة على منزلي سأكون قلقة على الآخرين ايضا."
يقدم مركز المرأة، في التقرير، تحليلاً لهذه التجارب لتسليط الضوء على العواقب الاجتماعية والاقتصادية لانتهاكات حقوق الإنسان، إلى جانب تأثير الاحتلال المحدد بالنوع الاجتماعي
يبرز التقرير أن هذه حوادث العنف يمكن أن تكون فردية، تتعرض لها النساء أثناء انتظارهن عند نقاط التفتيش أو سيرهن على الأقدام عائدات إلى المنزل من العمل، أو قد تكون عملية مستمرة حيث تعيش المرأة مع العنف أو التهديد بالعنف من المستوطنات الإسرائيلية المجاورة على مدى العديد من السنوات. ففي هذه المجتمعات، كما يتبين من الشهادات الواردة في التقرير من مدينة الخليل وبلدة عصيرة القبلية، تتعايش النساء مع الاعتداءات التي تطالهن وتطال أسرهن وجيرانهن وممتلكاتهن وسبل رزقهن على مدى سنوات عديدة. تقول احدى النساء من بلدة عصيرة القبلية في منطقة نابلس في شهادتها " كثيرا ما يقوم المستوطنون بالهجوم على المنازل القريبة من المستوطنة والتي تقع عند اطراف القرية، وغالبا ما يتواجد الجيش الاسرائيلي الذي لا يعمل شيء لمنع المستوطنين بل يقوم بتوفير الحماية لهم... كانت الساعة حوالي السادسة صباحا. فجأة سمعت صوت المستوطنين عند باب المنزل يصرخون "الموت للعرب، الموت للعرب". كانوا يصرخون كلمات اخرى باللغة العبرية ولكني لم أفهم معناها. بعدها بقليل بدأوا برشق الحجارة على الشبابيك ومحاولة تقطيع الشبك الذي كنا قد وضعناه لتوفير الحماية لنا. كما قاموا بتكسير الزجاج. بدأ اطفالي بالصراخ والبكاء. خفت كثيرا ولم أعرف ماذا أفعل. كنت قلقة جدا على أطفالي".
إن أثر العنف الواقع على النساء من جانب المستوطنين والجنود الإسرائيليين شديد. وقد تبين من خلال التوثيق، أن النساء يتأذين بشدة نفسياً وانفعالياً، ويكن في كثير من الأحيان قلقات وخائفات. وقد أفادت بعض النساء بأنهن لم يكن قادرات على الاستمرار في حياتهن الطبيعية بسبب الخوف من الاعتداءات المتكررة. وقالت إحدى النساء في شهادتها: "في كل مرة أرى جنوداً أو أسمع أصواتاً أصاب بالهلع، أشعر بأنني أريد أن أترك المنزل وأذهب لأعيش في مكان آخر". كما تكون النساء أيضاً قلقات على أبنائهن وتأثير ذلك عليهم. وورد في شهادة احدى النساء: "ابنتي الصغرى، ربى، التي عمرها سنة ونصف وبدأت لتوها في الكلام، تشير إلى النافذة وتقول "مستوطنون، مستوطنون..." وتبدأ في البكاء في كل مرة تسمع ضوضاء حول المنزل".
يبرز التقرير أيضاً الحصانة التي يحظى بها المسؤولون عن هذه الاعتداءات، مع إحجام النساء عن الإبلاغ عن الاعتداءات إلى السلطات الإسرائيلية لأنهن يعرفن أنه لن يتم القيام بأي إجراء.
ويوثق التقرير السياسة الإسرائيلية المتمثلة بهدم منازل الفلسطينيين والإخلاء القسري، وهي ممارسات تدمر حياتهم، وتؤثر على النساء والأطفال بشكل خاص. خلال عام 2009 ، تم هدم ما مجموعه 271 مبنى، مما أثر على 1377 شخصاً من بينهم 730 طفلاً. تكون عمليات الهدم في الغالب أحداثاً عنيفة، دون أن يعطى للأسرة أي إنذار سابق أو بعد إعطاء إنذار قصير الأجل، ويرافق الجرافات عشرات من الجنود والشرطة الإسرائيلية. تكون هذه تجربة صادمة بعمق للأسرة.
يكشف توثيق مركز المرأة ويسجل الأثر النفسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي على المرأة بسبب سياسة هدم المنازل وعمليات الإخلاء القسري. فالمرأة غالباً ما تكون الأشد تأثراً، إذ أن حياتها عادة ما تدور حول الحيز الخاص للمنزل، حيث تربي أولادها وتتولى رعاية المنزل تقول احدى النساء في روايتها: "العيش في سلوان وفي هذا المنزل هذه هي حياتي، هذا كل ما املك. لا يوجد شيء آخر. لم اعمل قط خارج المنزل ولا اغادر المنزل او الحارة كثيرا. قضيت حياتي في رعاية ابنائي، ومنذ ان كبروا اساعد برعاية احفادي، والآن أرعى زوجي. كنت اقضي وقت طويل ازرع الخضروات في الحديقة، ولكن لم اعد اقضي ذلك الوقت الطويل، و لكنني ما زلت أرعى المنزل واطبخ للعائلة. منزلي يعني لي كل شيء. ابني يمازحني في البحث عن منزل آخر، لكنني لا استطيع الممازحة في هذا الموضوع، انا اقول انني سأذهب من هذا المنزل الى المقبرة".
إن النساء اللواتي قام مركز المرأة بمقابلتهن يعانين بشكل دائم من القلق والاكتئاب طوال العملية الطويلة التي يمر بها هدم المنزل، ويجدن أنفسهن بعد التهجير في ظروف معيشية مكتظة وغير مناسبة، مما يعمق من إحساسهن بالقلق وغيره من المشاكل النفسية. مما يؤدي إلى التوتر والاكتئاب ومواجهة صعوبات في علاقاتهن مع أزواجهن وأطفالهن، تلخص احدى النساء التي هدم منزلها بالقدس في عام 2006 معاناتها بالقول: "جلست في الخارج أراقب هدم البيت الذي بنيناه وعشنا فيه ست عشرة سنة. كانت هذه مصيبة أخرى بالنسبة لأسرتي، فوق كل الفقر الذي عانينا منه على مر السنين. لم أكن أنا وأسرتي الوحيدين الذين تضرروا من ذلك، بل عائلات أولادي أيضاً. فابني الأكبر المتزوج ولديه ثلاثة أطفال هدم منزله سنة 2005، ولذلك كانوا يعيشون معنا. وابني الآخر متزوج أيضاً وكانت امرأته في ذلك الوقت حاملاً بطفلهما الأول، وكانا يعيشان في الدور الأسفل من البيت".
في الواقع، إن صحة المرأة النفسية، باعتبارها المسؤولة الأولية عن رعاية الأطفال في معظم الأسر الفلسطينية، تعد عاملاً حاسماً في الحفاظ على الصحة النفسية للأطفال في الأسرة. وعندما تعاني صحة الأم النفسية، فعلى الأرجح أن يعاني الأطفال هم أيضاً. ويلفت التقرير الانتباه إلى الأثر الاجتماعي والثقافي والاقتصادي لانتهاكات حقوق الإنسان على النساء بهدف المساعدة على إدراك الأثر المدمر والمحدد بالنوع الاجتماعي على حياة النساء الفلسطينيات.