"تقديم جديد لمركز المرأة للإرشاد القانوني والاجتماعي حول ظاهرة قديمة تعكس استمرار العنف ضد النساء والفتيات بكل أشكاله، وتتمثل أبشع صوره وأخطرها في استمرار ظاهرة قتل النساء. وأكتب هذه السطور آملة أن يأتي ذلك اليوم الذي أكتب تقديمًا لتقرير يعكس اختفاء هذه الظاهرة تماما من مجتمعنا، ونجاح كل تدخلاتنا كمنظمة نسوية حقوقية في اجتثاث هذه الظاهرة من مجتمعنا الفلسطيني.
في مركز المرأة، لا نخفي انحيازنا للنساء، بل نجاهر علنًا بهذا الانحياز منذ تأسيس مركزنا في عام 1991. ندافع عن النساء ونتبنى قضاياهن وندافع عن حقوقهن المختلفة وفي مقدمتها حقهن في الحياة. هذا الحق الذي نصت عليه كل الشرائع والديانات السماوية والمواثيق والمعاهدات الدولية. بل ونفخر بأننا نقوم بهذا الدور، ليس لأننا نعتقد أن هذا هو الدور المناسب والصحيح فقط، بل لأننا نرى نتائج وإنجازات ما نقوم به في عيون النساء والفتيات والأطفال والأُسر أيضا، انطلاقًا من قناعتنا بأن للنساء والفتيات الحق في التمتع بكرامتهن الإنسانية والعيش في بيئة آمنة خالية من العنف بكل أشكاله.
على مدار سنوات طويلة تثبت التجارب أن هذه الرؤيا التي نسير وعمل وفقها إنما هي الرؤية التي تزداد ثباتًا يومًا بعد يوما، وأنها أحد أهم المداخل لبناء وترسيخ مجتمع ديمقراطي يقوم على أسس من الديمقراطية والعدالة والمساواة لكل فئاته ومواطنيه، ودون أي تمييز على أي أساس كان. لقد قطعنا خطوات هامة في سبيل ترسيخ هذه الأسس ووضع اللبنات الأساسية لها، بالشراكة الكاملة مع كل الشركاء من المؤسسات والهيئات المجتمعية الرسمية والحقوقية والنسوية، ولا يزال أمامنا الكثير لعمله وإنجازه في هذا المجال.
نقدم هذا اليوم تقريرنا الأحدث في مجال رصد وتوثيق قتل النساء في المجتمع الفلسطيني، برؤية تحليلية ومنهج وأدوات واضحة ومحددة شكلا ومضمونا. لا نخفي لا الرؤية ولا المنهج ولا الأدوات، بل على العكس من ذلك، فكلنا وضوح في هذا الأمر، ونعرضه مع نتائجه أمام المجتمع للحوار والجدل والنقاش، وحسبنا أننا نجتهد في تقديم كل ما يمكن أن يخدم المجتمع عمومًا ونساءه بشكل خاص، دفاعًا عن حقوقهن وحياتهن.
أما من يختلف معنا في الرؤية والمنهج، فنقول له دومًا: طالما أن باب الجدل والنقاش مفتوح فإننا نسير في الاتجاه الصحيح كمجتمع، ولا يمكن الحياد عن هذا الاتجاه. أما من يريد إغلاق باب النقاش والجدل وطمس و/أو قلب الحقائق وتشويهها وممارسة سياسة القمع وتكميم الأفواه وتخوين الآخرين و/أو تكفيرهم، فنقول له إن الواقع والحقائق بيننا وبينكم، تعالوا نحتكم إلى الحقائق والواقع وإلى مصلحة مجتمعنا وتماسكه وترسيخ نسيجه الاجتماعي والوطني، فهي مرجعنا، وما عداها فإنما لا يخدم إلا أصحابه فقط.
لا نبالغ عند الحديث عن ظاهرة قتل النساء، لا نختلق مفاهيم ولا نختلق حقائق، بل على العكس، فإننا نجتهد، ونتحدى الصعاب والمعيقات للبحث عن الحقائق لنعرضها أمام المجتمع وهيئاته المختلفة حتى نتمكن جميعًا من وضع أصابعنا على الجراح، ونضع معًا العلاج الشافي لها، أما شرعية ما نقوم به وما نطرحه فإنما نستمدها من وضوحنا التام في كل ما نقوم به ونعرضه، وهذا ما يعطينا الشرعية الأخلاقية والمجتمعية، فليس لنا أي أهداف سوى المعلنة والواضحة في هذا التقرير أو غيره من التقارير والأبحاث.
ورغم كل ذلك فإننا نستطيع القول أيضا إن ما نعرضه ربما لا يعكس تماما كل ما يحصل في الواقع، فربما هناك أمور لم نتمكن من الوصول إليها أو معرفتها، لأنه كما يظهر لنا فإننا نعتقد أنه لا يزال هناك ما يجري إخفاؤه بعناية، لم نتمكن نحن أو غيرنا من الوصول إليه. خلال إعداد اللمسات النهائية لهذا التقرير الذي يتحدث عما رصدناه ووثقناه من النساء والفتيات المقتولات خلال عامي 2021-2022 في الضفة الغربية وقطاع غزة، فوجئنا بتسجيل فيديو منشور على أحد مواقع التواصل الاجتماعي لأحد الآباء يتحدث فيه علنا عن قتل ابنته خلال عام 2022، والمفاجأة لنا كانت أننا لم نجد اسمها مسجلاً لدينا في القائمة التي رصدناها في ذلك العام. إذًا، فرغم جهودنا؛ لا تزال هناك نساء وفتيات يُقتلن بصمت وتعتيم، ولا يتمكن أحد من الوصول إلى رصد قتلهن وتوثيقه. أما عن الظروف والملابسات فإننا نكتفي في هذا التقديم بترك الحقائق التي يعرضها التقرير لتتحدث عن نفسها. معلومات موثقة ودقيقة جمعتها باحثاتنا الميدانيات بدقة ومهنية عاليتين، وقمنا بتحليلها بكل إخلاص سعيًا وراء جهودنا جميعًا لاجتثاث ظاهرة قتل النساء من مجتمعنا.
ولا يسعني في نهاية هذا التقديم، إلا أن أتوجه بالشكر والتقدير والاحترام لكل من ساهم في جمع المعلومات والرصد والتوثيق والتحليل ومراجعة ووضع الملاحظات على النسخ الأولية منه، وصولا إلى إعداده بصورته النهائية، وإلى فريق العمل بالمركز الذي لا يتوانى عن إنجاز عمله بكل تفانٍ وإخلاص.
ويبقى السؤال الأساسي هو: هل تنتحر النساء الفلسطينيات؟!
هذا ما سيجيب عليه التقرير"
تحميل