هبة فلسطينية من غزة تبلغ من العمر 35 عاماً وهي أم لثلاثة أطفال، عندما بدأت الحرب على قطاع غزة كانت حامل في الشهر التاسع وكانت تنزح من مكان لآخر مع زوجها وأولادها، وقد بقيت لوحدها مع أطفالها حتى تتمكن من إنجاب طفلها بقرب والدتها التي ستتمكن من مساعدتها بعد أن قرر زوجها النزوح إلى الجنوب مع والديه خوفاً عليهم لكبر سنهم وضعف صحتهم.
في يوم ولادتها بتاريخ 23-11-2023 الساعة 11 مساءً شعرت بألم طلق الولادة وكانت حينها تعيش في بيت عائلتها الكائن في حي الشجاعية، تحملت الألم حتى الساعة الثالثة فجراً وحينها قرر والدها وأختها اصطحابها إلى المستشفى عندما أحست باقتراب الولادة، على الرغم من خطورة الطريق وعدم توفر وسائل مواصلات إلا أنها تمكنت من العثور على سيارة وحملت أختها الرايات البيضاء وكان والدها يجلس بجانبها، كان صوت الطيران مخيف جداً وقريب منها ولم يكن هناك أحد في الشوارع سوى الكلاب التي تنبح على السيارة والاشتباكات وصوت الرصاص في كل مكان وبجانب السيارة، كانت تنطق الشهادتين حتى نسيت ألم الولادة.
مشوا مسافة طويلة حتى وصلوا إلى مجمع الصحابة، وعندما وصلت ونزلت من السيارة ذكرت هبة أنها: " ومن شدة الألم لم أستطع ان أقف على قدماي وركعت على الأرض وأصرخ من الألم وشعرت بأن الجنين سوف يسقط وسوف ألد على الباب ، كان والدي من خوفه عليا ومن تعبي أصبح يبكي ويطلب مني أن أتحمل قليلاً حتى أصل إلى قسم الولادة ولكن لم أستطع حاولت لكن دون فائدة" وعندما رأتها الممرضة بهذا الوضع طلبت إدخالها إلى غرفة الولادة بسرعة طارئة، ولكن بسبب حالة الطوارئ التي تعم قطاع غزة بسبب العدوان كان هناك حكماء وممرضين في المستشفيات ولم يكن هناك معدات ولا أسرّة كافية ولا أغطية للأطفال والنساء والفوضى تعم المستشفى.
كُتِبَ لها الخروج من المستشفى بعد ساعتين من الولادة فقط بسبب حالة الطوارئ وخطورة التواجد ولم تتلقى هي وطفلها حديث الولادة الرعاية الطبية اللازمة، كان الطريق خطير أثناء عودتها إلى البيت في حي الشجاعية، وبانتهاء الهدنة المؤقتة التي دامت 6 أيام أصبح الحي أكثر خطورة واضطرت للنزوح إلى منطقة الرمال وتمت محاصرتها خلال الليلة الوحيدة التي مكثت فيها هي والأشخاص ال 47 المتواجدين معها 16 ساعة وهم جالسون في ممر الغرف باعتباره المكان الآمن في البيت بدون طعام ولا شراب، وذكرت قائلة: "عانيت كثيراً في هذا الوقت فأنا كنت في فترة النفاس لم تمر على ولادتي سوى أسبوع ـ وكانت ابنتي تصرخ من الجوع لأنها لم تكن ترضع مني في البداية ، وانا لم أتحرك من مكاني".
وصلت الدبابة إلى داخل المنزل وهربوا مسرعين من الباب الخلفي والأَسر والإعدام يملأ الشوارع، وصلتْ إلى مدرسة صلاح الدين مساءً وأمضت الليلة الأولى في ساحة المدرسة حتى وجدوا صف لها من المدرسة التي كانت مليئة بالنازحين، وبعد 4 أيام تمت محاصرتهم مرة أخرى وكان رصاص الإحتلال يصيب أي شخص يخرج من مكانه، اتصلت هي وزوجها بالصليب الأحمر وناشدو الجميع من أجل مساعدتها، ما إن قصفت الدبابة باب المدرسة ودخلت إلى الساحة وتجمع الجميع في مكان واحد، طلب الجنود من الرجال النزول مع خلع ملابسهم وكان من بينهم والدها وإخوتها وطلبوا منها النزول أيضاً. خرجت هي وأولادها وجلسوا في مكان قريب من المدرسة ولكنها لم تستطع ترك والدها وإخوتها داخل المدرسة، وفي طريق عودتها إلى المدرسة بعد أن أمنت على أطفالها قامت طائرة الاحتلال بإطلاق النيران عليها وكانت تختبئ بين البنايات والشجر حتى وجدت عائلتها تخرج من المدرسة دون أن يتم اعتقالهم.
نزحوا إلى مقر الصناعة التابع لوكالة الغوث في مدينة غزة، مكثوا فيه شهرين بدون طحين وكانوا يشربون من ماء المطر في ظل جو بارد وماطر، تم إخلاء المكان وعادت مرة أخرى إلى بيت عائلتها في حي الشجاعية المدمر جزئياً. قررت النزوح مع أولادها إلى زوجها في الجنوب حتى يتمكنوا من السفر إلى الخارج لتنقذ أبنائها من خطر الموت الحقيقي، وفي طريقها كانت الشوارع مليئة بالدماء والشبان المكبلة أيديهم والرصاص يملأ المكان، قام الجنود بالتحقيق معها وطلبوا وضع ابنتها الرضيعة أمام الكاميرا ثم طلبوا منها المرور.
جلست هبة على كرسي في الشارع لترضع ابنتها التي لم تتوقف عن البكاء من شدة الجوع وحتى يرتاح أطفالها الثلاثة الآخرين من المشي، ركبت عربة يجرها حمار حتى وصلت إلى زوجها الذي كان ينتظرها في جسر وادي غزة، احتضن الأطفال والدهم وهم يبكون لشدة شوقهم له بعد غياب دام 8 شهور، ولكن عندما وصلو إلى الجنوب لم يتمكنوا من السفر بسبب إغلاق معبر رفح وتعيش الآن مع أسرتها في الجنوب وذكرت قائلة: "الأمان غير متوفر فلا يوجد منطقة آمنة في جميع مناطق قطاع غزة".