رسالة المديرة العامة لعام 2021

لقد كان عام 2021 عام التحديات وعلى جميع المستويات، خاصة بارتفاع وتيرة الانتهاكات الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني في الأراضي الفلسطينية المحتلة، والهجمة الشرسة على مدينة القدس والعدوان الإسرائيلي العسكري على قطاع غزة، والمعاناة الكبيرة للأسرى والأسيرات في سجون الاحتلال الإسرائيلي، والاعتداءات المستمرة والمتكررة للمستوطنين على السكان الفلسطينيين المدنيين، والوصمة على مؤسسات المجتمع المدني الست، والتضييق المستمر على مؤسسات المجتمع المدني ونشطاء ونشيطات حقوق الإنسان من قبل الاحتلال الإسرائيلي الغاشم.

كما اتسمت السنة بأحداث كثيرة على المستوى الداخلي كان أبرزها مقتل الناشط نزار بنات، وما تبع ذلك من تضييق للخناق على الحقوق والحريات العامة، خاصة على الناشطات النسويات والصحافيات. ولم يتم إحراز أي من التقدم على قانون حماية الأسرة من العنف والتشـريعات والقوانين والسياسات التي تعزز المساواة بين الجنسين، ولم تجر الانتخابات التشريعية كما كان متوقعا.
ومع ذلك، فقد كان لنا وللحركة النسوية ومؤسسات المجتمع المدني العديد من الجهود والنجاحات وقمنا بالعديد من المبادرات لتعزيز وحماية حقوق النساء والفتيات ضحايا العنف.

17 أبريل 2022

لقد كان عام 2021 عام التحديات وعلى جميع المستويات، خاصة بارتفاع وتيرة الانتهاكات الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني في الأراضي الفلسطينية المحتلة، والهجمة الشرسة على مدينة القدس والعدوان الإسرائيلي العسكري على قطاع غزة، والمعاناة الكبيرة للأسرى والأسيرات في سجون الاحتلال الإسرائيلي، والاعتداءات المستمرة والمتكررة للمستوطنين على السكان الفلسطينيين المدنيين، والوصمة على مؤسسات المجتمع المدني الست، والتضييق المستمر على مؤسسات المجتمع المدني ونشطاء ونشيطات حقوق الإنسان من قبل الاحتلال الإسرائيلي الغاشم.

كما اتسمت السنة بأحداث كثيرة على المستوى الداخلي كان أبرزها مقتل الناشط نزار بنات، وما تبع ذلك من تضييق للخناق على الحقوق والحريات العامة، خاصة على الناشطات النسويات والصحافيات.  ولم يتم إحراز أي من التقدم على قانون حماية الأسرة من العنف والتشـريعات والقوانين والسياسات التي تعزز المساواة بين الجنسين، ولم تجر الانتخابات التشريعية كما كان متوقعا.

ومع ذلك، فقد كان لنا وللحركة النسوية ومؤسسات المجتمع المدني العديد من الجهود والنجاحات وقمنا بالعديد من المبادرات لتعزيز وحماية حقوق النساء والفتيات ضحايا العنف. 

ويسعدني التوجه بالشكر الجزيل للهيئة العامة ومجلس إدارة المركز، وكذلك إلى طاقم مركز المرأة للإرشاد القانوني والاجتماعي، على عملهم الدؤوب والمتفاني خلال عام 2021 على الرغم من كل الظروف الصعبة والتحديات التي أحاطت عملنا لتحقيق رؤية المركز ورسالته وأهدافه، وكذلك العمل الجاد على تعزيز الرؤية الحقوقية النسوية. ونتوجه بالشكر أيضا إلى كل شركاء وممولي مركز المرأة للإرشاد القانوني والاجتماعي الذين دعمونا لضمان استدامة عملنا واستمراريته من خلال الإيمان بما نقوم به ومن خلال مساهماتهم السخيّة لتنفيذ برامجنا. وقد احتفل مركز المرأة خلال عام 2021 بمرور ثلاثين عاما على تأسيس المركز، وما زالت مسيرة المركز مستمرة إلى أن يتم تحقيق المساواة التامة بين الجنسين ومناهضة جميع أشكال العنف ضد النساء والفتيات.

سيـــــــادة القــانـون برؤيــــــــا نسويــــــــــة:

العدالــــــــة والمســــــــاواة القائمتــــــان عـلى النـــوع الاجتمـــــــــاعي

يُراودني في مطلع هذا العام أن أسلط الأضواء في رسالتي هذه حول أهمية احترام مبدأ سيادة القانون، وما آلت إليه أوضاع حقوق الإنسان والحريات العامة بعد مقتل الناشط نزار بنات في حزيران 2021، وما تبع ذلك من اعتداءات على الناشطات النسويات والصحافيات خلال الوقفات الاحتجاجية والتظاهرات السلمية، واعتداء على حرية الرأي والتعبير والحريات الصحافية والتجمعات السلمية، والتعرض لحقوق النساء والفتيات بالخصوصية، ما يؤكّد ضرورة وأهمية العمل الجاد والدؤوب لترسيخ مبدأ سيادة القانون والفصل بين السلطات، في إطار مجتمع فلسطيني ديمقراطي يحترم الحقوق والحريات العامة والخاصة لكل مواطنيه ومواطناته.

إنّ سيادة القانون تشكل حجر الأساس للحكم الرشيد والديمقراطية. ولا يمكن تحقيق ذلك إلّا بالممارسة الحقيقية لمبدأ المساواة القائمة على النوع الاجتماعي وإدماج الجميع، خصوصاً تلك الفئات الأكثر ضعفاً في المجتمع. فقد أثبتت التجارب أن حقوق المرأة هي ذاتها حقوق الإنسان، وأن هذه الحقوق لا يمكن أن تزدهر وتكبر إلا إذا كانت في بيئة تسودها الديمقراطية، واحترام الحقوق والحريات، حيث تكون سبل الوصول إلى العدالة متاحة للجميع دون تمييز. لذا، ومن أجل إرساء المصلحة الفضلى للنساء والفتيات، ينبغي عليهن أن يوحدن جهودهن مع جهود جميع العناصر الديمقراطية الأخرى في المجتمع لوضع حجر الأساس لسيادة القانون والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان والحصول على الحريات.

ولا شك في أننا لن نتمكن من تحقيق الوضع الأمثل للجميع إلا في إطار وجود بيئة ديمقراطية تعددية، يمكن للنظام السياسي فيها الحفاظ على نفسه وعلى استدامته وعلى الأمن والنظام العام لجميع المواطنين والمواطنات. كما عليه أن يضمن أن كل المسؤولين وأصحاب الحق مدركون جيداً للحقوق والالتزامات الواجبة عليهم. ولتحقيق ذلك، يجب العمل على الفصل بين السلطات وضمان عدم تعدي السلطة التنفيذية على السلطات التشـريعية والقضائية. كما لن يتحقق حكم القانون إلا عندما يلجأ المواطنون جميعاً، رجالا ونساء، إلى القانون والقضاء لضمان حقوقهم والتيقن من أن النظام القانوني والقضائي هو نظام نزيه تماماً خالٍ من التمييز؛ بحيث يضمن المساواة ويحترم حقوق الإنسان.

نحن جميعاً ندرك تماما أن الاحتلال العسكري الإسرائيلي هو السبب الأساسي لجميع المشاكل التي تعصف بالأراضي الفلسطينية المحتلة وأنه العائق الرئيسـي أمام التمتع بالحقوق المدنية، والسياسية، والاقتصادية، والاجتماعية والثقافية للشعب الفلسطيني. وغني عن القول إننا بسبب هذا الاحتلال، نواجه تحديات خطيرة تمنعنا من الوصول إلى حقنا في تقرير المصير وإلى إنشاء دولة فلسطينية ذات سيادة وسيطرة كاملة على أرضنا ومواردنا. أما بالنسبة للمرأة الفلسطينية، فمعاناتها مضاعفة ومركبة؛ فهي إضافة إلى عيشها تحت الاحتلال، تجابه طبقات عدة من القمع؛ فهناك الخطر المزدوج الذي يقع عليها من النظام الذكوري السلطوي من جهة، ومن الاحتلال الاستعماري من جهة أخرى، لا سيما عندما يتعلق الأمر بالعادات والتقاليد التي تعزز التمييز بين الجنسين، إن كان في العمل أو واجبات الرعاية غير المدفوعة الأجر التي تضطلع بها المرأة داخل الأسرة وداخل المجتمع.

ومما لا شك فيه أنه لا يمكن للسلطة الفلسطينية أن تبرر انتهاكات حقوق الإنسان وحقوق المرأة بالذات تحت ذريعة الاحتلال، خاصة أن فلسطين كانت قد انضمت إلى العديد من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان، بما في ذلك اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) دون تحفظات منذ عام 2014. إن فلسطين ملزمة قانونا بضمان احترام حقوق الإنسان، وتحديدا حقوق المرأة، كما أنها ملزمة قانونا باتخاذ جميع التدابير الإدارية والدستورية والتشـريعية اللازمة لضمان المساواة القائمة على النوع الاجتماعي، وسيادة القانون، واحترام الحقوق والحريات، وإتاحة الوصول إلى العدالة لجميع المواطنين. وكثيرا ما يبرر المسؤولون الفلسطينيون عدم إقرارهم لمشـروع قانون حماية الأسرة و/أو عدم تقيدهم بالتزاماتهم القانونية بموجب اتفاقية سيداو وغيرها من مبادئ حقوق الإنسان، بحجة "الخصوصية الاجتماعية والثقافية" لمجتمعنا الفلسطيني والنقاش المثير للجدل الذي ينشأ داخل المجتمع في كل مرة تُبذل فيها جهود من أجل مواءمة التشـريعات الوطنية مع المبادئ الدولية لحقوق الإنسان. كما تضعف الحكومة الفلسطينية من حجتها بموجب قرار المحكمة الدستورية رقم 4 لعام 2017، الذي ينص على أنه "لن يتم إنفاذ المعاهدات والاتفاقيات الدولية إذا تعارضت مع التراث الديني والثقافي الفلسطيني". وقد أكدت اللجنة المعنية باتفاقية سيداو خلال استعراض التقرير الرسمي الأولي لفلسطين، أن دولة فلسطين رغم الأحكام الصادرة عن المحكمة الدستورية، لا تزال ملزمة قانونا بهذه الاتفاقية. وقد تم التأكيد على هذا الأمر أيضًا في الملاحظات الختامية التي وضعتها اللجنة المعنية باتفاقية سيداو وتوصياتها. وفي رأيي، وتحت النظم الذكورية والسلطوية القائمة، تقع على الحكومات مسؤولية "العناية الواجبة" للوقوف بوجه الأعراف الاجتماعية والثقافية السلبية السائدة، واتخاذ تدابير ملموسة لمواجهة أي تمييز و/أو تحيّز ضد أي فرد أو فئة اجتماعية، كما يقع على عاتقها الالتزام قانونياً باتخاذ جميع الإجراءات اللازمة لضمان المساواة بين الجنسين وحماية المرأة من العنف القائم على النوع الاجتماعي.

وفي أكثر من مناسبة، شهدت الناشطات النسويات الفلسطينيات والمدافعات عن حقوق الإنسان تقاعسا وتحفظا في اتخاذ تدابير جدية لحماية الناشطات ومنظماتهن عندما تمت مهاجمتهن من عناصر متشددة من داخل المجتمع الفلسطيني. وكثيرا ما تُركت النساء والفتيات وحدهن لمواجهة تلك العناصر السياسية والاجتماعية المتشددة والتي سعت في كثير من الأحيان إلى تشويه سمعتهن والتحريض ضدهن والسماح باستخدام العنف غير المباشر ضدهن، فقط لأن تلك النساء والفتيات طالبن بسياسات وتشـريعات تنص على المساواة بين الجنسين، وعلى اتخاذ التدابير اللازمة لحماية النساء والفتيات ضحايا العنف القائم على النوع الاجتماعي. وكان على الناشطات الفلسطينيات وما زلن، خوض معاركهن بمفردهن، وقد تُركن في المقدمة لمجابهة جميع الحملات المضادة والأعراف النمطية السائدة المتعلقة بالنوع الاجتماعي التي سلّحت نفسها بذرائع اجتماعية وثقافية سلبية تقلل من قيمة النساء والفتيات وتضعهن في مراتب أدنى، فقط بسبب جنسهن. وقد عكست البيانات الرسمية التي أدلى بها المسؤولون الحكوميون والمسؤولون الرسميون على سبيل المثال، التواطؤ أو الإغفال أو التقاعس بموضوع الانتهاكات غير المباشرة لحقوق المرأة، وذلك خلال هذه الحملات المضادة ضد إقرار مشـروع قانون حماية الأسرة. كما تجاهل المسؤولون الحاجة الملحة إلى وجوب حماية النساء ضحايا العنف القائم على النوع الاجتماعي أو الضحايا المحتملين لقتل الإناث من خلال ضرورة تبني التشـريعات الحمائية، حيث استمرت السلطة الفلسطينية في سن مئات القوانين الأقل شأناً وأهمية من خلال مراسيم رئاسية لها قوة  القانون بالاستناد إلى المادة (43) من القانون الأساسي الفلسطيني. بينما ضاعت جهودنا في الضغط والمناصرة لاعتماد قانون حماية الأسرة من العنف و/أو  تعديل العديد من القوانين والتشـريعات الأخرى التي تميز بوضوح ضد المرأة في مهب الريح، ما أعاق وبشكل كبير إيصال حقوق المرأة إلى العدالة.

وفي دراسة حديثة أجراها مركز المرأة للإرشاد القانوني والاجتماعي، واستنادًا إلى الأحكام الصادرة عن المحاكم الفلسطينية في 22 قضية لجرائم عنف وقتل تتعلق بالنوع الاجتماعي، خلصنا إلى أن التشـريع التمييزي، مقترنا بمستوى عالٍ من السلطة التقديرية الممنوحة للقضاة والامتيازات التي يتمتع بها الرجل بحسب السلطة الذكورية المتأصلة في العادات والتقاليد، إضافة إلى عقلية القضاة، كلها عوامل تثني المرأة عن اللجوء إلى المحاكم لمتابعة شكواها المتعلقة بالعنف الأسري أو الشـروع بالقتل، بسبب إسقاط الحق الشخصـي تحت الضغوطات الأسرية، ما يقلل بدوره من ثقة النساء باللجوء إلى القانون والإنصاف من خلال القضاء للوصول إلى العدالة. وقد لاحظنا أنه في جميع الحالات تقريبا، مارست الأسرة والمجتمع ضغطا على النساء اللواتي تقدمن بشكاوى ليقمن بسحب قضاياهن من المحاكم. كما صدرت أحكام مخففة على الجناة، بل وحتى أسقطت بعض القضايا بعد إسقاط الحق الشخصي، في حين لم تتابع النيابة العامة حقوق المصلحة العامة في معظم القضايا. وتلقت النساء اللواتي كسـرن الصمت ورفعن شكاوى أو قضايا، رسالة مفادها أن النظام القضائي لن ينصفهن، الأمر الذي سيؤدي إلى ترددهن في المستقبل في الإبلاغ عن حالات العنف أو الجرائم المستندة إلى النوع الاجتماعي المقترفة ضدهن.[1]

وغني عن القول إن استهداف المرأة خلال التظاهرات الأخيرة يعزز تلك المفاهيم الثقافية والاجتماعية السلبية عن الأدوار التي تمارسها النساء والفتيات داخل المجتمع من جهة وداخل الحيز العام من جهة أخرى. كما أن هذا الاستهداف يشجع على تعزيز السلطة الذكورية والأعراف النمطية المستندة إلى النوع الاجتماعي، ويدعو إلى العنف واستبعاد المرأة من الحياة العامة، كما يهدد النسيج الاجتماعي. وعليه، ينبغي أن يكون المسؤولون الحكوميون هم أول من يمتنع عن ارتكاب أعمال العنف والانتهاكات المتعلقة بالحقوق، وعليهم أن يشجعوا على إرساء النظام العام واحترام القوانين والإجراءات المنصوصة. كما ينبغي أن يتأكد صنّاع القرار من أخذهم زمام المبادرة لرفع التعليمات اللازمة إلى المستوى الأمني المطلوب وللمسؤولين الحكوميين لإجبارهم على احترام القانون. ونحن بدورنا، نسعى لأن نرى أولئك الذين ينتهكون القانون ويستهدفون النساء اللواتي يقمن بتظاهرات سلمية، تتم محاسبتهم بالشكل المطلوب وأن نتأكد كذلك أنه لا يوجد أحد فوق القانون. نحن الفلسطينيين  والفلسطينيـات – مسؤولين وصناع قرار ومواطنين ومواطنـات – علينا أن نوجه جلّ اهتمامنا نحو عدونا الرئيسـي، وهو الاحتلال، أي السعي إلى إنهاء الاحتلال العسكري الذي طال أمده، وأن نواصل جهودنا لبناء مجتمع ديمقراطي وعادل يستطيع فيه جميع المواطنين، رجالا ونساء، التمتع بحقوقهم وهم يشعرون بالأمان في ظل سيادة القانون.

 

                                                                                                                            رنــــــــــدة سنيـــــــورة

المديـــــــــــرة العـامـــــــــة

                                                                                                                              

 

 

[1]  لمزيد من التفاصيل، يُنظر "الوصول إلى العدالة للنساء ضحايا العنف في فلسطين"، مركز المرأة للإرشاد القانوني والاجتماعي، 2021.