هل السلام ممكن دون مبادئ...؟!
يصادف هذا العام الذكرى السنوية المائة على الحرب العالمية الأولى، حيث سقط عدد هائل من القتلى، علما بأنه وحسب ما ورد من الإحصائيات أن عدد القتلى في الحربين الأولى والثانية بلغ ما يقارب 80 مليون قتيل، سعى على أثرهما عدد كبير من قادة وزعماء العالم إلى البحث عن سبل تسهم في تجنيب البشرية مزيداً من هذه الحروب وآثارها المدمرة، عبر استحداث عدد من الأطر القانونية لازالت موجودة حتى أيامنا هذه. أيقن الجيل الجديد من قادة وزعماء العالم بعد هذه الحروب ضرورة معالجة الاستهانة والازدراء للإنسان وحقوقه لتجنيب البشرية مزيدا من مثل هذه الحروب والمعاناة المترتبة عليها. تضمنت هذه الأطر القانونية التي تم تطويرها عدد من العناصر الرئيسية كميثاق الأمم المتحدة(1945)، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان(1948)، واتفاقيات جنيف(1949). حيث أسهم الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في تشكيل الأساس من أجل تطوير المعاهدات الدولية الأخرى الخاصة بحقوق الإنسان.1
تمثلت إحدى أهداف الإطار القانوني لهذه المعاهدات في سعيها من أجل تحديد أهم أسباب الصراعات البشرية وإيجاد آليات للحد منها. فعلى سبيل المثال، تمت إضافة عدد من البنود في هذا الإطار القانوني ترتبط بالتوسع الإقليمي،والاستيطان في الأراضي المحتلة، والتمييز غير القانوني والاعتقال التعسفي، و النفي، التي أصبحت تشكل انتهاكا للأطر القانونية الإنسانية. فيما كان حق تقرير المصير، والمساواة أمام القانون، وحرية التعبير والتنقل، والتطور الديمقراطي أحد المبادئ الأساسية لهذه الأطر القانونية.
كفلسطينية أشعر بالأمل والتفاؤل عند قراءتي للمبادئ الواردة في هذه الأطر القانونية، لكنني أشعر بالحيرة في نفس الوقت عند معايشة الفجوة بين ما ورد في هذه الأطر وما هو مطبق على أرض الواقع. وهنا أتساءل بيني وبين نفسي هل هناك سلام دون مبادئ، حيث تظهر هذه الفجوة جليا خلال مسيرة السلام الفلسطينية الإسرائيلية منذ مؤتمر مدريد 1993والتي كان آخرها الجهد الذي يبذله السيد جون كيري وزير خارجية الولايات المتحدة، والتي لا تختلف عن سابقتها. فقد تجاهلت مباحثات السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين إلزام سلطة الاحتلال بالتزاماتها القانونية بموجب القانون الدولي، فعلى سبيل المثال، بدلا من المطالبة بإزالة المستوطنات وفقا لاتفاقية جنيف الرابعة، تم وضعها كأحد البنود على أجندة المفاوضات"بين الأطراف في الوقت المناسب". من هنا علينا أن نعلم أن التعامل مع هذه القضية بهذه الطريقة هو مخالفة لكل القوانين الدولية، خاصة وأنه يجب عدم مكافئة أي نشاط مخالف للقانون.
على الرغم من أن إحدى القوى الدافعة وراء صياغة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان كانت امرأة، وهي إليانور روزفلت، فإن قوة الدفع من أجل السلام تتم في الغالب من قبل الرجال، كما كان الحال دائما. بالرغم من اعتراف الأمم المتحدة بأهمية "المشاركة المتساوية والانخراط الكامل للنساء في جميع الجهود الهادفة إلى صيانة وتعزيز عملية السلم والأمن". 2 وهذا يدفعني للتساؤل حول ما الذي يمكن لجيل القادة المنبثق بعد الحروب العالمية فعله في ظل مسيرة السلام الجارية التي تتميز بضعف مشاركة المرأة فيها ودون أي اعتبار للأطر والمبادئ القانونية التي ظهرت من تحت أنقاض الحروب العالمية.
بعد أكثر من عشرين عاما من العمل في تقديم خدمات الإرشاد القانوني والاجتماعي للنساء الفلسطينيات، مازال التشابه بين النظام القانوني العالمي والنظام القانوني المحلي يذهلني بمحدوديته،خاصة إذا كان غير نزيه.في سياق القانون المحلي نجد أن المرأة عادة ما تقع في فراغ قانوني،وعدم تكاملية برامج الحماية بسبب التشتت الديمغرافي للمجتمع الفلسطيني،حيث تضطر المرأة للتوجه إلى شبكات الحماية الخاصة بالعائلة والحمولة لحل النزاعات، وهذه الشبكات، في حال توفرها، تفضل في معظم الأحيان الحفاظ على النسيج الأسري بدلا من تحقيق العدالة للفرد،وهو توجه عادة يضع النساء في موقف استضعاف ومساومة.رغم أن تجربتي تشير أن العمل على الحفاظ على هذا النسيج خارج الشبكات القانونية القائمة نادرا ما يحقق حلولا دائمة.
في النهاية، هنالك أمر واحد أنا واثقة منه، وهو أن أولئك الذين يؤمنون بإمكانية تحقيق السلام مع العدالة دون النظر إلى المبادئ القانونية الراسخة أو المشاركة التمثيلية في هذه العملية،يخدعون أنفسهم. وذلك لعدم التكافؤ ما بين القدرة على المساومة والمفاوضة بين الطرفين،وهنا يمكن فرض صفقة كإجراء مؤقت، ولكن قد تكون مثل هذه الصفقة لاغيه وباطلة في ظل المبادئ القانونية الراسخة.3
مها ابو ديه
المديرة العامة للمركز