أي دولة فلسطينية نريد...؟
رسالة مديرة المركز للعام 2013
يوم 29 نوفمبر من العام 2012، صوتت الاغلبية الساحقة من الدول الأعضاء في الجمعية العامة للأمم المتحدة على منح فلسطين صفة دولة غير عضو في الجمعية، اي دولة مراقب. حيث صوتت (138) دولة لصالح الطلب الفلسطيني، وعارضه (9) دول فيما امتنعت (41) عن التصويت. في ذلك اليوم لقي الرئيس محمود عباس في نهاية خطابه وقفة احتفاء وتشجيع من الجمعية العامة حينما ناشدهم بالإعلان عن إصدار شهادة ميلاد دولة فلسطين. وكما كان اعلان استقلال دولة فلسطين الذي قامت به منظمة التحرير الفلسطينية في العام 1988، فقد شكل الاعتراف الرسمي من الامم المتحدة علامة امل فارقة في الطريق الطويلة والمتعرجة من اجل التحرر من الاحتلال والاستعمار الاسرائيلي. وهذه المحطات الفارقة والمتقطعة، سواء كانت حقيقية أم رمزية، فإنها أبقت على روح النضال متواصلة من جيل الى جيل.
من منطلقات نسوية، هذا الإنجاز يتطلب انعكاسا له على ارض الواقع وفعل، لان اعلان الدولة وعضوية الامم المتحدة لها استحقاقات. على فلسطين، كدولة عضو، من الآن وصاعدا ان تقدم عدد من التقارير الى لجنة الامم المتحدة المكلفة بمراقبة مدى التزام الدول الاعضاء بتطبيق نصوص اتفاقية القضاء على كافة اشكال التمييز ضد المرأة "سيداو"، وهي واحدة من بين عدد من الاستحقاقات المختلفة للدول الاعضاء. لانجاز ذلك فان هذا يتطلب التركيز على زيادة الانخراط في قضايا المرأة من قبل مؤسسات الدولة فيما بينها، وبينها وبين مؤسسات المجتمع المدني لضمان استجابتها لبرامج وخطط عمل الأمم المتحدة في هذا المجال، الى جانب الاستمرار في مقاومة الاحتلال والاستعمار الاسرائيلي الذي يهدف بشكل اساسي الى تدمير المجتمع الفلسطيني وتقويض مؤسساته ومرتكزاته الرئيسية.
في ظل غياب وجود دولة قابلة للنمو والتطور، وضعف القوى والأحزاب التقدمية، نجحت المجموعات النسوية الفلسطينية المختلفة في الحفاظ على جهدها المنظم في ابقاء القضايا الاجتماعية على جدول أولويات النشطاء السياسيين والاجتماعيين. ويبقي السؤال الرئيسي للناشطات النسويات إذا ما كان أكثر من 20 عاما من الفعل والنشاط النسوي ستؤتي ثمارها ذات مرة عندما تبدأ مؤسسات الدولة بالعمل باستقلالية. بالنسبة لنا كما للناشطين الاجتماعيين، لا يزال علينا معرفة ما إذا استطعنا حشد ما يكفي من الدعم الشعبي ام لا، والى إي مدى استطعنا ذلك، وبما يعطي الحركة النسوية والديمقراطية زخما كافيا في الدولة الفلسطينية الوليدة، وان هناك ما يكفي من الآليات لدى الداعمين لحقوق المرأة لضمان اجندة اجتماعية تقدمية.
الفلسطينيون نساءا ورجالا يتابعون عن كثب التطورات المتلاحقة في اعقاب انطلاق مرحلة الربيع العربي، وتحديدا كيف يحاول كل طرف سياسي واجتماعي فرض أجنداته، في كل مرحلة من مراحل عملية التحول المتغيرة والمتقلبة. ففي فلسطين، ونحن نرى انه كان لدينا ربيعنا العربي خلال انتفاضتين (87-1991 – 2000) تعلمنا كناشطات نسويات إن الثورة التي تقود الى تغيير سياسي قد لا تضمن تحقيق الحقوق الاجتماعية- الاقتصادية- والثقافية للنساء والفئات الاجتماعية الأخرى الضعيفة والمهشمة في المجتمع. الدرس الذي تعلمناه من انتفاضاتنا، ومن النساء الاخريات اللواتي حاربن في معارك التحرر الوطني من الاستعمار ان على القوى الاجتماعية التقدمية ان تبقى على يقظة تامة، وان تنخرط، وتحشد الدعم في نضالها الاجتماعي، والعدالة في النوع الاجتماعي وتحضر نفسها للمرحلة التي تعقب اللحظات الاولى لنشوة الانتصار في معركة التحرر الوطني. نحن ندرك كنسويات إن عصر ما بعد الثورة قد يكون اكثر صعوبة، وربما غادرا وخاصة للنسويات الثائرات.
اعتراف الأمم المتحدة الجديد بالدولة الفلسطينية، والذي حصلنا عليه بثورة، يحتاج إلى مزيد من التأثير والضغط على مؤسسات الدولة لضمان زيادة حساسيتها لقضايا النوع الاجتماعي خلال عملية وضع السياسات التنموية وتشريع القوانين. كما على المؤسسات النسوية المختلفة أن تحافظ على تواصلها مع الجماهير، وخاصة في المناطق المختلفة المعزولة والمهشمة من قبل الاحتلال وسياسته في العزل لضمان ايصال صوتهم، والاهتمام بالحد الادنى من احتياجات صمودهم. ضمان بقاء وصمود النساء والرجال الاكثر تضررا وعزلا وتهميشا في مختلف المناطق، سواء كانت في القرى او في المدن والتجمعات الجغرافية سيبقى احد اهم العلامات الفارقة في عملنا وجهودنا.
يتطلع مركز المرأة للإرشاد القانوني والاجتماعي إلى تعزيز انخراطه، على المستويات المحلية والإقليمية والدولية، والى البقاء على اطلاع وتواصل مع التطورات والى الاستمرار في تزويد مقوماتنا الاساسية بالمصادر والدعم، وإلى توسيع نفوذنا وتأثيرنا الجماعي مع أخواتنا وإخواننا في جميع أنحاء العالم العربي، وللعمل سويا مع الحركة النسوية ومنظمات حقوق الانسان في مختلف انحاء العالم. لأنه في عصر العولمة، فان ما يحدث لأي مجتمع وفي أي جزء من العالم يؤثر على بقية المجتمعات، ولذلك فان النضال يجب أن يستمر مع الحركات الاجتماعية والنسوية وحركات حقوق الإنسان. ففي هذا العالم المعولم، فإن ما يحدث لمجتمع واحد في جزء واحد من العالم يؤثر في أماكن أخرى من العالم . لذلك فالنضال من أجل المساواة والعدالة وحقوق الإنسان يجب ان يبقى متواصلا إقليميا وعالميا، كما هو الحال محليا.
مها ابودية
مدير عام
مركز المراة للارشاد القانوني والاجتماعي