المرأة والسلام والأمن
قبل عقد من الزمن، وفي تشرين الأول/أكتوبر 2000، تبنى مجلس الأمن الدولي القرار رقم 1325 بعنوان "النساء والسلام والأمن". يؤكد هذا القرار على الدور المهم للمرأة في منع الصراعات وحلها، وفي المفاوضات السلمية، وفي جهود بناء السلام، وحفظ السلام، والاستجابة الإنسانية، وإعادة التعمير في مرحلة ما بعد المنازعات. كما يشدد على "أهمية مساهمة [المرأة] المتكافئة ومشاركتها الكاملة في جميع الجهود الرامية إلى حفظ السلام والأمن وتعزيزهما".
لم يكن إعداد القرار واعتماده بالمهمة السهلة، بل تطلب الأمر بذل جهد متواصل. وكما أشارت الصحفية والناشطة أوتي شويب مؤخراً: "[جاء] القرار نتيجة عملية ضغط طويلة وشاقة بواسطة العديد من المنظمات النسوية والقليل من الرجال الملتزمين. وتعود جذور هذا الجهد [التنظيمي] إلى المؤتمر الدولي الرابع المعني بالمرأة في بيجين في 1995، حيث تم تبني منهاج العمل". ومع ذلك، أصبح القرار بعد اعتماده يمثل أرضية مفيدة يمكن أن يقوم عليها مبدأ دمج النساء وتمكينهن وحمايتهن. وقد أضيفت قرارات أخرى مكملة ومعززة للقرار الأول، هي القرار رقم 1820 ورقم 1888 ورقم 1889 ، وأصبحت جميعها معاً تعرف تحت يافطة واحدة هي "المرأة والسلام والأمن".
تتمثل الأهداف الرئيسية الثلاثة لهذه القرارات في: حماية النساء من الاستغلال عسكرياً من منظور العلاقات الأبوية بواسطة القوات المسلحة الحكومية والميليشيات المحلية، ومساءلة الفاعلين عن جرائمهم المرتكبة ضد النساء والتي أصبحت تعرف الآن وبحق بأنها جرائم ضد الإنسانية، وإجراء تحليل مترابط للاضطهاد الأبوي وكره النساء في ظل انهيار سيادة القانون والأنماط التقليدية للنظام الاجتماعي. وفي المحصلة، تعترف هذه القرارات وتؤكد على ضرورة أن تكون النساء، في أوضاع المنازعات المسلحة، ضمن الشركاء الأساسيين وصناع القرار في المفاوضات إذا شئنا تحقيق أمن إنساني حقيقي وسلام عادل ودائم.
على مدى سنة 2010، التقت جهود شتى المجموعات النسائية عبر العالم للنظر في مدى التقدم المتحقق في استيعاب وتنفيذ القرار 1325 والقرارات المتعلقة به. وقادت اليونيفيم وسواها من الهيئات مساراً عالمياً لتحديد المؤشرات وتقييم النتائج في مختلف السياقات. وتم منح البلدان في الشطر الجنوبي من العالم التشجيع والدعم المالي من أجل إعداد استراتيجيات على مستوى كل بلد في سبيل تحقيق النتائج المرجوة من القرار 1325. وفي المقابل، وضعت بلدان الشمال نظماً حكومية لحماية حقوق النساء، مع أنها لا تزال بعيدة عن تحقيق الفعالية الشاملة.
المرأة والسلام والأمن تحت نير الاحتلال الاستعماري
بعد مرور عقد من الزمن على تبني القرار 1325 دولياً، نجد أنفسنا الآن، نحن النساء الفلسطينيات، نعاني من حرمان شبه كامل من الحماية الثابتة والفعالة التي ينبغي أن يتيحها القانون الدولي. وعلى الرغم من التدريبات والتقييمات وأفضل النوايا لتحويل القرار 1325 من كلمات إلى ممارسة، لا تزال حياة النساء الفلسطينيات رهناً لقدرتهن المحدودة على صنع القرار في السياسات الفلسطينية وغياب كلي وفعلي لقدرتهن على تقرير المصير تحت نير الاحتلال الاستعماري. نحن شعب مستعمَر ومحروم من هياكل الأمة والدولة، وبالتالي محروم بواقع الحال من التطبيق القانوني للقرار 1325 بالشكل الذي من شأنه أن يلطف الوضع الذي تعيشه النساء الفلسطينيات بأي قدر معقول.
إن حزمة "المرأة والسلام والأمن" تملك إمكانية أكبر للتأثير في سياقات الحروب الأهلية والمنازعات الداخلية الأخرى مما يمكنها ذلك في سياق الاحتلال العسكري القمعي. فسياق الحرب الأهلية هو وضع يكون فيه الناس في أمة-دولة واحدة واقفين الواحد في مواجهة الآخر، حيث يكون الضرر والدمار على الطرفين متماثلاً ومترابطاً (حتى وإن لم يكن متقارباً بالضبط) – هو وضع يمكن فيه أن تتم تعبئة النساء بفعالية من مختلف أطراف النزاع، داخل مجتمعهن وفيما بين المجتمعات المختلفة، لكي يعملن معاً على الإلزام بوقف الأعمال العسكرية، وتحسين الأمن الإنساني للجميع، واستخدام ذلك كأساس لبناء السلام الدائم.
إلا أن النزاع الإسرائيلي-الفلسطيني، والذي ينطوي على احتلال قائم على التباين الحاد في موازين القوى، له خصوصياته التي تتمثل في أن غالبية الإسرائيليين يصطفون إلى جانب القوة الاستعمارية. وهم يتصورون أنهم يستفيدون من نظام الأمن الذي يفرضه الاحتلال، فيما يتم إعماء بصرهم قسراً عن رؤية وإحساس المعاناة العميقة للشعب الخاضع للاحتلال. وفيما يتزايد انتقال العديد من الإسرائيليين إلى النزعة العدائية واقتناعهم بالنظرية الزائفة التي تدعي تحقيق الأمن من خلال القمع، فإننا نجد في الوقت ذاته أن مؤيدي نظرية السلام والتمكين يزدادون تهميشاً.
إن النساء الفلسطينيات، من خلال عيشهن في مجتمعات مهددة على مدى عقود من الاحتلال، لطالما حاولن أن يمارسن المبادئ التي نص عليها القرار حتى قبل تبنيه. ومع ذلك، فإن تبنيه قد أعطى النساء الفلسطينيات الزخم والدافع للخروج من حالة الضعف الشديد في المعنويات وحثهن على مضاعفة جهودهن محلياً. إلا أنه قد لا تظهر علامات على حدوث تغيير فعلي ما لم تتم ترجمة المكونات الرئيسية للقرار 1325 من مبادئ إلى التزامات (وما لم يتم التقيد بهذه الالتزامات). فينبغي الاعتراف بالالتزامات التي يفرضها القانون الدولي الإنساني على المجتمع الدولي، والمتمثلة في تحمل المسؤولية وتوفير الحماية والمساءلة، وينبغي أن تعامل معاملة الالتزامات. وما لم يحدث ذلك، سنظل ندور حول أنفسنا بدلاً من أن نتقدم إلى الأمام.
إذا كان القرار 1325 قد أضاف احتياجات النساء إلى مبادئ القانون الدولي الإنساني، الذي ينظم العلاقات في زمن الحرب والنزاعات المسلحة، فإن اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) تسلط الضوء على حقوق النساء في القانون الدولي لحقوق الإنسان. ينبغي النظر إلى كلا الأداتين في ارتباطهما بالأطر القانونية الدولية الأوسع والتي هما جزء منها، وفي ارتكازهما إلى هذه الأطر. فالعديد من الحكومات الوطنية في المجتمع الدولي، بتبنيها هذه القرارات والقوانين، قد ألزمت نفسها، رسمياً على الأقل، بالعمل على تحقيق العدالة والسلام محلياً وعالمياً. ويتبقى علينا أن نرى ما إذا سيكون بالإمكان تجميع ما يلزم من شجاعة وإرادة سياسية راسخة للسير بهذه الأجندة إلى الأمام بطرق محددة وملموسة.
السير بأجندة الأمن والعدالة للنساء إلى الأمام
أود أن أنتهز هذه الفرصة لتسليط الضوء على اثنين من التحديات العديدة التي تواجهها النساء الفلسطينيات وحركة السلام العالمية في سنة 2011، وهما:
• علينا أن نواجه أولئك المستفيدين (أو الذين يعتقدون أنهم يستفيدون) من النزاع، وعلينا أن نقنعهم بأنه من الممكن تحقيق فوائد أعظم من خلال السلام.
• علينا مساءلة جميع مرتكبي جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والمحرضين عليها – وخاصة الجرائم ضد النساء.
إن تجاربنا المتواصلة من خلال أكثر من جيلين من حركة السلام النسوية تؤكد لنا أنه لا سلام بدون عدالة. ومع أن أهداف السلام والعدالة لا تزال بعيدة المنال، إلا أننا من خلال نضالنا للوصول إلى نهاية هذه المسيرة، يشتد توقنا وتطلعنا إلى الحرية وتصبح رؤيتنا للسلام العادل أكثر وضوحاً.
إننا نؤكد أن الاتفاقيات الدولية، مثل قرارات مجلس الأمن الدولي رقم 1325 ورقم 1820 ورقم 1888 ورقم 1889 – وخاصة في ارتباطها باتفاقيات جنيف والقوانين والاتفاقيات الدولية الأخرى ذات العلاقة بالحرب والنزاعات المسلحة – تملك الإمكانية لتوفير الإطار القانوني الذي يحتاجه الفلسطينيون، وخاصة النساء، للمطالبة بحقوقهم. وفي سبيل ذلك، سنواصل تعريف الفلسطينيين (رجالا ونساءا) وتثقيفهم حول مغزى هذه الأدوات الدولية وإمكاناتها الكامنة وأهمية تطبيقها لضمان تعزيز وحماية حقوق المرأة الفلسطينية أثناء الاحتلال وبعد زواله، في السياسة وفي البيت، وفي المجالين العام والخاص.
في سياق الاستقطاب المتصاعد في إقليم الشرق الأوسط، والذي يبدو وكأنه يقف على فوهة بركان مضطرب، نحن ندرك أن حياة المدنيين قد لا تمثل أكثر من نقطة صغيرة في أجندة العسكرة والسياسة العليا (الذكورية). ولكننا مع ذلك، كناشطات وناشطين فلسطينيين من أجل حقوق المرأة وحمايتها، نؤمن في أعماقنا بأن واجبنا أن نطالب بحقنا في الحماية بمقتضى القانون الدولي، وواجبنا أن نواصل المناصرة من أجل وضع حد للحصانة التي يتمتع بها مرتكبو جرائم الحرب.
نحن في مركز المرأة للإرشاد القانوني والاجتماعي نشكر جميع نشطاء السلام الدوليين والحركة النسوية العالمية على نضالهم الثابت والصلد إلى جانب المجتمعات المضطهدة المهمشة والمستبعدة من الحماية. إننا نقف في صف واحد في نضالنا ونضالكم الموحد في سبيل سلام عالمي قائم على العدالة ومسنود بالقانون الدولي.
مها ابو ديه
المديرة العامة للمركز