صدر عن مركز المرأة للإرشاد القانوني والاجتماعي باللغتين العربية والانجليزية

  • الرئيسية
  • الأخبار
11 أغسطس 2010

يبدأ العنف منذ اللحظة الأولى لتأسيس أية علاقة اضطهاد، استغلال، استضعاف ...إلخ
(باولو فريري1998
)

عندما نتحدّث عن العنف في المجتمع الفلسطيني لا بد من التطرق إلى مصادره، ففي المجتمع الفلسطيني، وعلى شاكلة أي مجتمع، آخر هناك أسباب موضوعية وأخرى ذاتية تقود لممارسة أفراد المجتمع العنف فيما بينهم. ولعل من أهم الأسباب عدم توازن علاقات القوى بين أفراد مجموعة ما. ولكن ثمّة ما يميز المجتمع الفلسطيني وهو أنه، وبالإضافة إلى وجود عدم التوازن في علاقات القوى ما بين الأنثى والذكر فيه، يعاني من ممارسة العنف عليه من قبل الاحتلال الإسرائيلي. حيث يمارس الاحتلال وبمنهجية مدروسة ومخطط لها لتصدير العنف للمجتمع الفلسطيني بكل وحشية وهمجية كمّاً ونوعاً. وهنا نورد ما قاله فريري (1998) من أنه وبمرور الوقت يتم تذويت هذا العنف في النفوس واستدخاله، ومن ثمّ استخراجه مرة أخرى بطرق عدّة وعلى مستويات مختلفة، وقد يؤدي هذا إلى تشويه الإدراك الذاتي للإنسان تحت الاحتلال حول حقيقة الاختلاف الطبيعي بينهم وبين من يضطهدهم، وقد يصبح اضطهاد غيرهم في مرحلة ما سلوكا يأتي نتيجة لهذا الاستدخال.

وكأية علاقة إنسانية هناك طرفان لهذه العلاقة، ويبدأ بالعنف طرف من الأطراف، وما أثبته تاريخ الإنسانية هو أن الطرف الذي يضطهد، الأقوى، هو الذي يبدأ بالعنف، فالطرف الأضعف لا يمكن أن يبادر للعنف، فالعنف يبدأ عادة عند هؤلاء الذين يستغلون، ويضطهدون، ولا يعترفون بالآخر كإنسان، فكيف لمن يٌستغل، ويٌضطهد أن يبدأ بالعنف؟ ليس من تؤخذ منه إنسانيته الذي ينكر الإنسانية والحب، بل من ينكر أن الآخر إنسان هو الذي ينكرها لنفسه وللطرف الآخر .

نستطيع القول من خلال التجربة الحية، ومن خلال مراقبة الاحتلال الإسرائيلي، إنه يعمد لاستخدام العنف كأسلوب وأداة لنزع صفتي الإنسانية والكرامة في سعيه لهدم المجتمع الفلسطيني، فهذا العنف ممنهج، ومدروس ومخطط له، والاحتلال يستهدف إنسانية المجتمع الفلسطيني وكرامته كيلا يبقى، وحتى لا ينظم نفسه كمجتمع وتحويله إلى مجرّد شعب لا يملك معايير المجتمع وعناصره، ولا يتشارك بأية روابط من شأنها الحفاظ على المجموعة بشكل مجتمع. ولذا يعمد الاحتلال إلى الاستخدام المبالغ فيه للعنف لتحقيق ذلك أملا في أن يصبح عنفه أسلوب تعامل وأداة لحل المشاكل في مجتمعنا. ولذا، فإنه وفي الوقت الذي نتشارك فيه مع باقي المجتمعات في أسباب العنف ومصادره، إلا أننا نختلف عنها بأن الاحتلال الإسرائيلي يعمل أولاً على جعل العنف لغة التواصل، وجعله ثانياً أهم أسلوب تعامل مع الآخر. وتوظيفه العنف لصالح تعزيز الأبوية والبطريركية في المجتمع لإعاقة جهود التغير الاجتماعي، ليحقق مبتغاه في النهاية بالعمل على استدخال هذا العنف ،وتحويله إلى منهجية تعامل بين من هم تحت الاحتلال.

ولا نقصد هنا –بطبيعة الحال- تصوير الاحتلال وأسلوبه العنيف على أنه السبب الوحيد أو المصدر الحصري للعنف في المجتمع الفلسطيني، ولكننا نؤكد أهمية عدم إغفاله كمسبب ومصدر رئيسي للعنف في مجتمعنا

هناك تفضيل لإنجاب الذكور من قبل النساء والرجال على حدّ سواء في المجتمع الفلسطيني، حيث أن 33.9% من النساء اللواتي سبق لهن الزواج وأنجبن 4 ذكور يرغبن في إنجاب المزيد من الذكور، بينما 15.9% من النساء في الفئة ذاتها ممّن أنجبن 4 إناث لا يرغبن في إنجاب المزيد من الإناث، وهو ما يعني أن التمييز على أساس الجنس ما زال قائما، وبالتالي على أساس النوع الاجتماعي هو السائد في مجتمعنا، ممّا يترتب عليه بدء التمييز وعدم إعطاء الأنثى قيمة متساوية مع الذكر منذ الولادة وحتى الممات، وهو ما يعكس ذاته على طبيعة علاقات القوى التي بينهم من جهة، وعلى الفرص والخيارات التي يستطيع كل منهم أن يحصل عليها من جهة أخرى، لتكون النتيجة هي أن تكون العلاقة غير المتوازنة هي العلاقة المتوقعة، و"الطبيعية" في المجتمع، مما يؤدي إلى تأسيس وتعزيز علاقات الاضطهاد والاستغلال والاستضعاف من طرف لآخر، وبذلك تتزايد إمكانية العنف والتعنيف، كما يقول فيريري: "يبدأ العنف منذ اللحظة الأولى لتأسيس أية علاقة اضطهاد،استغلال، استضعاف .."، بالإضافة إلى ما تجده هذه العلاقات من مكان في ظل غياب قانون وأنظمة وإجراءات تعمل على إعادة التوازن من ناحية، ووجود الاحتلال الإسرائيلي والمبني أساساً على علاقة بطريركية، سلطوية وعنيفة من ناحية أخرى ممّا يعزّز العلاقات غير المتوازنة.

انطلاقا من تجربة مركز المرأة للإرشاد القانوني والاجتماعي، وبناء على خبرته المتراكمة في مجال العمل على قضايا العنف الأسري، فإنه بات مدركا أن حماية المرأة من العنف بمثابة حماية للأسرة والمجتمع، وذلك تتويجا لما ترسّخ لديه من قناعات بالانعكاس الإيجابي لحماية المرأة على التنمية والرفاه الاجتماعي لأي مجتمع.

في الحالات التي لا تتم فيها حماية المرأة، سواء كان ذلك لغياب القانون، أو لغياب المساواة الاجتماعية، أو لوجود ثقافة بطريركية سلطوية تميز بين الجنسين، فإن المجتمع يكون عبارة عن سجن آسر لقدرات نصفه الآخر، وإمكانياته، وأرواحه.

يأتي هذا التقرير بهدف الوصول إلى تعريف مفهوم الحماية لدى النساء. ويهدف التقرير أيضا إلى معرفة طبيعة شبكة الحماية الموجودة في مجتمعنا، علاوة على معرفة فيما إذا ما كانت هناك أطر حماية أخرى يمكن إضافتها للأطر المعروفة لدينا.

في إطار سعيها لتغيير علاقات القوى التي تفرز العنف ضد الأضعف، فإن الحركات النسوية، والمؤسسات الحقوقية والنسوية في العالم عملت على كشف ظاهرة العنف، ورصدها وتعميمها أملا في معالجة المشكلة، والقضاء على العنف الأسري والعنف المبني على أساس النوع الاجتماعي، والضغط على صانعي القرار، حيث تم إنكار هذه الظاهرة في بادئ الأمر، ولكن وبتواصل العمل والنضال أصبحت الظاهرة معروفة، وعلنية ،ومعترف بها.

تكمن أهمية التقرير في كونه الوثيقة الأولى التي تطرح مفهوما للحماية ينطلق من وجهة نظر النساء أنفسهن. فعند استعراض الأدبيات المحلية والإقليمية والدولية نجدها، بشكل عام، تتحدث عن مفهوم الحماية من وجهة نظر المؤسسات العاملة في هذا المجال، الحكومية منها وغير الحكومية، حيث شاب تلك الأدبيات تغييب لصوت المرأة، وهو ما تلافاه هذا التقرير.

وممّا لا شك فيه أننا، وبطرحنا هذا المفهوم على النساء أنفسهن لبناء تعريف له من وجهة نظرهن، فإننا نفتح المجال للتفكير بالآليات المطروحة للتصدي لظاهرة العنف ومدى نجاعتها، وهو ما يزيد من اعتقادنا بأن هذا التقرير يشكل مساهمة جديدة وجادة في موضوع الحماية والعنف الأسري.

نتطلع لأن يكون هذا التقرير عاملا يمكننّا من التقدم خطوة للأمام في موضوع العنف ضد المرأة، حيث انه يتم حاليا طرح قضية العنف الأسري بمعزل عن علاقتها بمفهوم الحماية. إلا أننا نعتقد بوجوب طرح قضية العنف الأسري بعلاقتها وإرتباطها بمفهوم الحماية، فنحن نرى أنه ومن خلال فحص مصادر الحماية، والتدقيق فيها وفهمنا لها، فإننا نكون قد بدأنا فعليا في السير على طريق إيجاد الحلول لمشكلة العنف الأسري، والعنف ضد المرأة، والعنف المبني على أساس النوع الاجتماعي، إذ أنه كلما عملنا على تقوية الحماية وتعزيزها كلما أرسينا الأسس للوقاية والعلاج من العنف