البيان الختامي لحفل إطلاق كتاب البرلمان الفلسطيني الصوري

21 أغسطس 2017

 

 

نظم مركز المرأة للإرشاد القانوني والاجتماعي الأربعاء الموافق 12/7/2017 حفل إطلاق كتاب "البرلمان الفلسطيني الصوري"، وجرى إقامة الاحتفال في قاعة البروتستانت في مدينة رام الله، وشارك فيه ما يزيد عن مائة من القيادات والكوادر النسوية في محافظات الوطن، وعلى رأسها الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية، ووزارة شؤون المرأة، ومنتدى المنظمات الاهلية لمناهضة العنف ضد المرأة وممثلات من العديد من المؤسسات الحكومية وغير الحكومية. وخلال الاحتفال ألقيت العديد من الكلمات التي اكدت على أهمية إطلاق مثل هذا الكتاب الذي يوثق تجربة البرلمان الفلسطيني الصوري كأحد المحطات الهامة في عملية النضال التي تخوضها الحركة النسوية والمؤسسات الحقوقية والمجتمع المدني عموما من اجل الإصلاح القانوني في فلسطين، وخاصة فيما يتعلق بالتشريعات المرتبطة بقضايا ومكانة المرأة في المجتمع الفلسطيني.

وجرى خلال الاحتفال تكريم احدى مؤسسات المركز والمديرة العامة السابقة له المرحومة مها أبو دية بمناسبة مرورعامين على وفاتها، وزهيرة كمال الأمين العام للاتحاد الديمقراطي الفلسطيني "فدا" وهي احدى الشخصيات النسوية والوطنية البارزة في فلسطين وإحدى مؤسسات المركز. كما تم تكريم عدد من القيادات النسوية التي كان لها أثر هام في قيادة وفعاليات البرلمان الصوري في حينه. وتحدثت خلال الحفل عدد من النسويات اللواتي كان لهن دور مبادر في تلك التجربة، وعرضن جوانب مختلفة منها والاثر التي تركته على نضال الحركة النسوية والمجتمع المدني عموما على صعيد تحقيق المساواة بين الرجل والمرأة في مختلف جوانب الحياة، وتطرقت المداخلات كذلك الى الدروس والعبر المستخلصة من هذه التجربة، واهمية التركيز على البناء والمراكمة عليها في سياق تطور وتطوير نضال المرأة الفلسطينية من اجل تكريس المساواة في ظل عملية النضال الوطني التي يخوضها المجتمع الفلسطيني للتحرر والاستقلال وبناء مجتمع ديمقراطي تعددي تسود فيه المساواة في الجوانب كافة، وتتاح فيه فرص النمو والتطور امام كل أبنائه دون أي تمييز على أي أساس كان.

لقد شكلت تجربة البرلمان الفلسطيني الصوري مرحلة ومحطة هامة من مراحل تطور النضال النسوي والحقوقي من اجل تعزيز المساواة بلين الرجال والنساء في فلسطين، كما انها شكلت محطة في مراحل نضال الشعب الفلسطيني من اجل تحرره واستقلاله وبناء دولته الحرة المستقلة، وخاصة بعد إقامة السلطة الوطنية الفلسطينية في العام 1995 واجراء انتخابات لانتخاب اول برلمان فلسطيني في العام 1996، لأول مرة في تاريخ الشعب الفلسطيني المعاصر.

وتزامنت هذه التطورات مع زيادة في مدى الاهتمام العالمي الذي بدأ في التصاعد منذ منتصف القرن العشرين وصولا الى سنوات السبعينات والثمانينات من ذلك القرن من خلال المؤتمرات العالمية النسوية التي وضعت قضية مشاركة المرأة في حياة المجتمعات ومساواتها على اعلى مستويات الاجندات الدولية كهيئة الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الدولية، وهذا بالطبع انسحب لاحقا على المستويات الإقليمية والوطنية وعلى مستوى الدول المختلفة. وهو ما ترك اثرا ملموسا في مستويات وجوانب الحياة المختلفة في هذه الدول والبلدان، وكذلك اثرا على زيادة نسب ومعدلات مساواة النساء وتعزيز مشاركتهن في حياة مجتمعاتهن، وهذا بالطبع ما ترك آثارا واضحة على تطور وتنمية هذه المجتمعات وفتح آفاق واسعة للتطور امامها.

لقد كانت المساواة في الأنظمة والقوانين هي أحد اهم المعضلات والقضايا البارزة في هذا السياق، حيث تلعب المساواة في النصوص والتشريعات الدولية دورا هاما على الصعيد الدولي والمحلي الوطني في تغيير الإرث الثقافي التاريخي القائم على التمييز والاضطهاد للنساء، وتحجيم دورهن في حياة المجتمعات في كل المجالات، وحصر وتحديد دورهن في أنماط محددة ترتبط أساسا بدورهن الانجابي. وهي كانت تحد بالأساس وتحرمهن من أي فرصة من اجل المشاركة في عملية تنمية مجتمعاتهن. وجاء النضال القانوني ليكرس حلقة مهمة من حلقات نضال الحركة النسوية وتأثيرها في تغيير كل الأنظمة والتشريعات التي تكرس التمييز وتشكل أرضية ثقافية وقانونية لإعادة انتاجه في حلقات مختلفة.

وكان لإقرار العديد من المواثيق والمعاهدات الدولية وفي مقدمتها الإعلان العالمي لحقوق الانسان والعهدين الدوليين الخاصين بالحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والاتفاقية الدولية لمناهضة كافة اشكال التميز ضد المرأة وغيرها من المعاهدات والمواثيق أثر كبير في إعطاء النضال النسوي زخما إضافيا على المستويات الوطنية من اجل مواصلة النضال لموائمة القوانين والتشريعات على المستوى الوطني لتحقيق هذا الغرض.

وفي خضم كل التطورات السابقة جاء البرلمان الفلسطيني الصوري كتجربة مهمة في سياق نضال الحركة النسوية والحقوقية الفلسطينية لتسليط الضوء على التشريعات والأنظمة السارية في فلسطين، والمتوارثة من الأنظمة والدول التي حكمت فلسطين حتى ذلك الحين، والتي كانت في مجملها تعكس وتعبر عن الثقافة المجتمعية التقليدية الابوية البطريركية التي تكرس دونية المرأة وتحرمها من حقها الأساسي في المساواة، والمشاركة في عملية بناء وتنمية مجتمعها.

وعكست مناقشات البرلمان الفلسطيني الصوري وحلقاته المختلفة حجم التمييز القائم، وطرحت في نفس الوقت آفاق وسبل وآليات النضال في كل المجالات من اجل وضع حد للتمييز والاضطهاد. كما عكست ردود الفعل المعاكسة والمعارضة لفكرة البرلمان في حينه حجم ومدى وطبيعة الثقافة التقليدية القائمة، كما افرزت أيضا القوى المستفيدة والتي عبرت عن نفسها وشراستها في رفض فكرة البرلمان ومقاومة أي تغيير في هذا المجال.

واشارت زهيرة كمال في مداخلتها الى ان تجربة البرلمان الفلسطيني الصوري كانت فريدة من نوعها بالنسبة للفترة الزمنية التي عقد خلالها، او بالنسبة لكونها الاولى من نوعها على الصعيدين العربي والاقليمي، وكذلك الحال بالنسبة لردود الفعل والاهتمام الذي حظيت به فلسطينيا وعربيا وعالميا.

ورأت كمال انه كان لا بد من توثيق هذه التجربة لاهميتها في توثيق تاريخ الحركة النسوية لفلسطينية، ومن اجل استخلاص الدروس المناسبة منها في العمل من اجل المستقبل، خاصة في هذه الفترة التي نشهد فيها تراجعا للقوى الديمقراطية والتقدمية وصعودا للقوى الاصولية، وهو ما ترك ويترك اثرا على الحريات الفكرية والثقافية وحقوق الانسان عموما، والحقوق المرأة خاصة.

واضافت كمال انه بعد مرور ستة عشر عاما على التجربة، ورغم التقدم الذي احرزته المرأة تعليم النساء وانخراطها في سوق العمل، وتوليها مناصب متقدمة في بعض الهيئات والمؤسسات المجتمعية الا ان مجمل المعطيات تشير الى استمرار، وربما زيادة العنف الموجه ضد المرأة، بما في ذلك استمرار ظاهرة قتل النساء، ولم تشكل الانجازات التي حققتها النساء نقطة تحول نوعية في تعديل المواقف والمعايير الاجتماعية المتحيزة ضد المرأة، والتي تركز على الدور الانجابي للمرأة، وتعزز اللامساواة في مختلف نواحي الحياة، وخاصة في القوانين المتعلقة بالاسرة.

وتمنت كمال في مداخلتها الاهتمام والقراءة المعمقة لمحتوى هذا الكتاب، والاستفادة منه ومن تجربة البرلمان الصوري التي وثقها في اي خطط واعمال تؤدي الى تغيير في نمط العلاقات الاجتماعية القائمة، وخاصة العلاقات بين الرجال والنساء سواء في محيط الاسرة او في المحيط المجتمعي العام. وهي علاقات من المفترض ان تقوم بالاساس على الاحترام وحفظ الكرامة والعدالة والمساواة.

في مداخلتها لخصت ريما كتانة نزال، عضوة الأمانة العامة للاتحاد العام للمرأة الفلسطينية فكرة البرلمان ومضمونها في سياق نضالات المرأة الفلسطينية قائلة انه لم تشهد الساحة الفلسطينية تجربة مثيلة تركت أثراً عميقاً بعيد المدى على المجتمع الفلسطيني، فلم يتوقف المجتمع عن استعادة ذكريات الهزّة التي أحدثتها إثارة النقاش حول القوانين السارية ذات الصلة بالمرأة، حتى اليوم. وفتحت التجربة عيون كل من شارك بها على الواقع الحقيقي الذي شكَّلنا تصورات مختلفة عنه، رسمنا توقعات متباينة عنه، وضعنا تصورات وافتراضات وإسقاطات إرادوية عليه. أزال البرلمان الصوري الغمامة المثالية عن الواقع التي لطالما تظللنا بها. أسقطت التجربة الأحلام المنسوجة عن فرضية تسامح المجتمع مع مطالب المناضلات.

لم تكن عملية التوثيق بالمهمة السهلة، فيها من المشاعر والمعلومات والدروس؛ كمٌ كبير. حيث أخضعت التجربة للدراسة والتدقيق والتقييم من قبل المركز والمؤسسات النسوية المشاركة ومن قبل الأحزاب السياسية بهدف استخلاص الدروس والعبر والمسار.

واستعرضت نزال احداث وتطورات البرلمان في السياق الذي جاء فيه مشيرة الى ان مركز المرأة بدأ في تحضيراته 1994 لدى استشرافه أن طبيعة المرحلة الجديدة بعد تشكُّل السلطة الفلسطينية تحمل فرصاً هامة لتغيير علاقات وهياكل النفوذ والقوة، فرصة أمام التأثير في مسار الإصلاح القانوني، فرصة نحو صياغة تحالفات تجمع الحركة النسوية بالقوى الديمقراطية ومنظمات حقوق الانسان للدفع بأجندة العدالة الاجتماعية ومنظومة حقوق الانسان، ضمن بيئة توفِّر الحوار الديمقراطي وإدماج البرنامج والخطاب النسوي في الخطاب الوطني الاجتماعي ومأسسة مكانة المرأة وحقوقها القانونية.

على أبواب الانعطافة الكبرى وُلدت فكرة البرلمان الصوري، أطلقت آمالاً عريضة ورفعت سقوفاً عالية، اعتقاداً بحق الفلسطينيات في قطف الثمار على شكل اعترافات وصياغات قانونية ومقترحات تصل بها إلى مبدأ المساواة بين الجنسين وفق ما نصَّت عليه وثيقة الاستقلال. تم تجسيد الفكرة بأفق ديمقراطي، تشكيل برلمانات يتناصف فيها الرجال والنساء المقاعد بالتناصف، مع توسيع نطاقها الجغرافي افقياً بشمولها جميع المحافظات، التعمق بمحتواها ودلالاتها عمودياً؛ عبر إثارة النقاش حول القوانين السارية ونشر المعرفة بالصياغات البديلة، طرح المقترحات الأفضل التي من شأنها تحقيق المساواة، إحداث نقلة بالوعي الحقوقي وتشكيل قاعدة فكرية، مقاربة القوانين مع ما تتيحه المواثيق الدولية وقياس المسافة والعلاقة بينهما، حشد التأييد بواسطة الأدوات الاعلامية المتوفرة، فتح الأنشطة أمام الجمهور دون تحفظ وأجندات خفية.

فُتِحَت عضوية البرلمانات أمام جميع القوى دون تمييز، انضوت جميع القوى السياسية والاجتماعية بما فيها الاتجاه الاسلامي والتي شاركت في التدريبات والندوات ونقاش المقترحات، كما اطلعت البرلمانات الفرعية على التعديلات ووافقت عليها بقناعة تامة وصولا للبرلمان المركزي. وللحقيقة لم يكن ثمة خلافات تُذكَر بين الاتجاهات المختلفة على النصوص المطروحة، بل توحَّد الجميع عليها ووجد مصلحة في إقرارها، حيث اُعتبرت أنها تلبي الاحتياجات والمطالب.

واما عن ردود الفعل التي تعرض لها البرلمان الصوري في حينه فقد أوضحت نزال المفارقة التي حدثت، فالنساء عامة لا يختلفن حول الموقف الرافض للتمييز. اتفقت البرلمانيات على قاعدة مصالحهن المشتركة، أهمية تعديل القانون المتقادم وانفصامه عن الواقع، حق الطلاق وحضانة الأطفال وسن الزواج وحقوق المرأة العاملة ويتفقن على رفض تحصين قتلة النساء بالعذر المخفف للعقوبة. ويبقين منسجمات حتى اللحظة التي يشنّ الاتجاه الاسلاموي والتقليدي هجومه الشرس ويمارس الترهيب الفكري. وهو ما وقع، التشهير بالقائمين على البرلمان وأعماله من على منابر المساجد، بحجة الاعتداء على أصحاب الاختصاص واختراق الخصوصية الثقافية والخروج عن الشريعة.

لم يتعامل الاتجاه الإسلاموي مع البرلمان باعتباره صوريّاً، بل نظر إليه كبرلمان حقيقي، أرعبهم اتساع نطاق المشاركة واستقطابه النساء بما فيها الاتجاه الذي يمثله. فيما بعد، أقرت النساء المشاركات من حركة «حماس» بأن البرلمان الصوري سرَّع في تشكيل رابطة المرأة الاسلامية.  لم يبنِ الاتجاه السلفي اتهامه بناء على ما قدمه البرلمان في إعلاناته عن تعريفه لنفسه وأهدافه المعلنة بأدبياته، لم ينظروا للمشروع على أساس كونه مشروعا مؤقتا وصوَريّاً، بل اعتبروه تهديداً لصلاحياتهم في احتكار النقاش وحصره بمن يُطلق عليهم: أصحاب الاختصاص. ولكي يُثار الرأي العام عمدوا إلى تلفيق المقتضيات، هجوم وتكفير وكيل التهم جزافاً: تغريب الثقافة واختراق الخصوصية الثقافية والخروج عن مبادئ الشريعة.

ورغم كل ذلك فان تجربة البرلمان، بكل ما فيها من إنجازات واخفاقات ونجاحات شكلت محطة هامة في انها طرحت، وربما لأول مرة في تاريخ الشعب الفلسطيني ونضاله، وامام المجتمع وقواه المختلفة قضية المرأة ومن أبوابها الواسعة. وهو ما توجب علينا في مركز المرأة للإرشاد القانوني والاجتماعي كمؤسسة مبادرة في طرح وقيادة هذه التجربة الى استكمال المبادرة بتلخيص التجربة وتوثيقها، ووضعها امام المجتمع عموما ومؤسساته المختلفة، والحركة النسوية والوطنية كما حصلت في حينه. لكي تتمكن الأجيال الحالية من الاطلاع عليها وقراءتها كما حصلت في حين، لاستخلاص الدروس والعبر والبناء عليها في عملية النمو والتطور والتغيير الحالية. على امل ان تشكل منارة في قراءة المستقبل واشتقاق طرق وأدوات النضال القادمة. وعلى هذا الأساس أطلق المركز هذا الكتاب الذي يوثق تلك التجربة ويقدمها بأسلوب علمي موثق ومقروء.

ومن الجدير ذكره أيضا ان الأستاذة أسمى خضر من مؤسسة التضامن (SIGI) حضرت من الأردن خصيصا للمشاركة في هذا الحدث، وقدمت مداخلة خلال حفل إطلاق الكتاب. وكانت الأستاذة خضر قد ساهمت في حينه مساهمة فعالة في اعمال البرلمان من خلال تقديمها قبيل إطلاق تجربة البرلمان الصوري مقترحات تفصيلية وصلت إلى (64) اقتراح بغرض تعديل وتطوير على مجمل التشريعات الموروثة من الحقبات السابقة بغرض ضمان المساواة وعدم التمييز واحترام حقوق المرأة.  والإشارة إلى أن هذه المقترحات كان الأساس لمطالبات البرلمان الفلسطيني الصوري: المرأة والتشريع.

تخلل حفل إطلاق الكتاب فقرات فنية، حيث قدمت فرقة "اوسكار" فقرة الدبكة على أغنية البرلمان الصوري التي تعزز من المساواة وعدم التمييز ضد المرأة. ومسرحية حول "الزواج المبكر" أو تزويج القاصرات قدمها فريق المتطوعين والمتطوعات مع المركز من منطقة طوباس.  كما شاركت المؤسسات القاعدية الشريكة مع المركز، جمعية طوباس الخيرية، جمعية سيدات أريحا، وجمعية النجدة الاجتماعية في عرض منتوجاتهن وتسويقها خلال الاحتفال.